البروباجندا أعيت مَن استخدمها.
هذا ما قالته «فضيحة» اختراع الجنرال عبد العاطى.
قالت الفضيحة أيضًا إن هناك شعورا عميقا بالعجز ورغبة فى الخروج منه بمعجزة، لا ببناء طرق وجسور تتأسس عليها حركة علمية.
لكن هذا لا يحدث، كما تقول «الفضيحة».. فمنطق «البركة» و«خلّيها على الله» و«إحنا أجدع ناس».. يعلو ولا يُعلا عليه. ورغم أن الأشياء الميتافيزيقية تجد مَن يؤمن بها/ فإنها ليست كل شىء/ أو بمعنى ما فإن تراكمها يعطل العقل ويثقل الأرواح المنهَكة.
وهنا فإن المنظومة التى دفعت بالجنرال عبد العاطى ليستعرض فضيحته/ كاشفة ودالّة وتحتاج إلى إصلاح/ لا الدفاع عنها أو تحويلها إلى معركة حول محبة أو هيبة الجيش.
كما أن اعتبار رد الفعل الساخر على اختراع الجنرال «مؤامرة» على الجيش هو جزء من هذه الكارثة التى تريد أن تتعامل مع مؤسسة من مؤسسات الدولة/ بقداسة تضعها فوق النقد أو السخرية أو الإصلاح.
عقليات التطبيل والتزمير تريد أن تكون كتائب ملحقة بالجيش/ هى أعراض كارثة قادمة/ لأن هؤلاء يساهمون فى التغمية والتعمية وحماية المؤسسة من الإصلاح.
الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة مهمتها حماية الدولة والمجتمع/ وليس مطلوبا منها أن تكون مؤسسة بحث علمى ولا كيانا يصنع المعجزات/ وفى الجيوش الكبرى كانت الاختراعات القادمة من الجيوش مرتبطة بأبحاث عسكرية لتطوير احتياجات حربية/ وليس التليفون المحمول إلا دليلا على اختراع انتقل من مجاله العسكرى إلى المدنى بعد تطويره ودون البروباجندا التى أدت إلى فضيحة الجنرال عبد العاطى.
المهم هنا أن المجال مهمّ/ والجيش موكول إليه مهام تتعلق بالأمان العسكرى/ وهنا فالخروج من مجال إلى مجال يحتاج إلى قواعد وبروتوكولات لم يلتزم بها أحد فى المؤسسة العسكرية وهى تترك هذه الفضيحة تظهر إلى العلن.
والمؤلم فى فضيحة الكفتة أنها تداعب عجز ملايين المرضى وتلعب على مشاعرهم/ ويمكن أن تمر فضائح أخرى مثل رواية وراء أخرى عن امتلاكنا ثُلث إثيوبيا بعقود موثَّقة/ متناسيا أن القواعد المؤسسة لإقامة الدول الآن تغيرت وأن دول السيادة الوطنية وبينها مصر/ لا تعلَن بصكوك ملكية كما كانت الدول قبل حداثتها.
إنها فضيحة صغيرة مقارنة بتلك التى قد تحرم الملايين من مرضى الإيدز أو فيروس سى من نتائج أبحاث/ مجرد أبحاث عن جهاز كشف فيروسات فى المستشفيات والعيادات.. كما أن الخوف كل الخوف من حرمان ملايين من مرضى فيروس سى من الدواء الجديد الذى توصلت إليه مجموعات علماء (على رأسهم مصريون بالمناسبة) لدواء أقل تكلفة وأكثر فعالية/ الدواء اعتُمد قبل شهور قليلة وتم تجريبه على عينات واسعة بينها أصدقاء مصريون.
أى أن الفضيحة ستتحول إلى مأساة لأن استعراض الكفتة الشهير دفن بذرة «المعلومة» تحت ركام الوصول إلى «نصر من الله وفتح مبين» وانتصار معجز على الغرب/ وسر حربى فى اكتشاف دواء لأمراض مستعصية مثل الإيدز والتهاب الكبد الوبائى المعروف بفيروس سى.
البروباجندا المصاحبة اختارت أن يكون الإعلان فى مؤتمر صحفى/ لا علمى/ مصحوب ببهارات من نوع حكاها صاحب الاختراع عن عروض بـ٢مليار دولار (فى روايات أخرى انخفضت القيمة المالية وارتفعت) لكى يسكت المخترع عن إعلان هويته (مصرى/ عربى/ مسلم).
الحرب الهوياتية هنا بهار يصلح لروايات الفتيان/ لكنها هنا قادت الاختراع إلى مصير الفضيحة/ فالغرب المحارب لهوية المخترع منح جائزته الكبرى (نوبل) لعلماء من نفس الهوية/ كما لم يعد العلم الغربى مقصورا على أهل الغرب/ مع النزوع العولمى الذى وصل إلى مرحلة أن «الغرب هو العالم» (والدليل أن أبحاث أدوية فيروسات الكبد يقودها مصرى ولم يُطلَب منه الاستغناء عن جنسيته رغم أنه طُرد مع اليهود فى الستينيات.. واختار مثل أغلب يهود مصر أمريكا أو أوروبا لا إسرائيل... وكذلك فإن الدكتور مجدى يعقوب وصلت منذ أيام أبحاثه عن زراعة القلب إلى آفاق جديدة).
معركة المخترع بدت أول خيط الفضيحة لأنه بدأ يحمل سيفًا فى عصر الحرب الرابعة، وهو ما فضحه مزيد من شرحه لعلاج الإيدز عن طريق سحب الفيروس من الجسم ومنحه للمريض على هيئة «صابع كفتة».
هنا وُلدت المسخرة من رحم المعجزة، وطغت البهارات على البذرة الصغيرة لكشف كان من الممكن أن يكون مهمًّا لجهاز استكشاف فيروسات (استكشاف وليس علاج) حقق خطوات علمية لا بأس بها، لكنها حين استُخدمت كبروباجندا كان لا بد من حشوها بخزعبلات اللواء عبد العاطى صائد الفيروسات الذى نُشرت له لقاءات مصورة يروّج فيها لعلاج بالأعشاب/ وقيل إن رتبته شرفية على طريقة الرتبة الممنوحة للموسيقار عبد الوهاب.
هنا غابت حقيقة الاختراع والمخترع ومعها العلم تحت ركام حرب البروباجندا التى يخوضها النظام باحثًا عن إنجازات/ ومعجزات تبرر عودته من مدافنه ليبنى صروحه.
هذه الطلعات أو الغزوات تردم كل شىء (من العلم إلى السياسة) تحت أطنان من الأكاذيب والخزعبلات الفاضحة.
وملاحظة مهمة أن أغلب النقد الموجّه إلى فضيحة «كفتة» الإيدز كان نابعا من صدمة فقد الثقة/ وربما تطغى على المسامع فرق الزفة البلدى فى دولة سيدى المستبدّ لكن تبقى الفضيحة فضيحة/ والدفاع عنها يعنى كارثة أكبر/ والأهم أن الجيش مؤسسة هيبتها من دورها والدور المنوط بها لا فى صناعة المعجزات أو التحول إلى دولة داخل أو فوق الدولة.