تحدثنا عن الصحابية الجميلة عاتكة بنت زيد وزواجها من عبد الله بن أبى بكر، وزواجها من عمر بن الخطاب بعد ذلك، وفى ليلة الزفاف، عندما تذكرت عبد الله بن أبى بكر، بكت ورفضت أن تعطى لعمر حقه الشرعى فغلبها على نفسها «مش أنا اللى بقول والله، ده ابن سعد فى طبقاته» وخرج غاضبًا، واسترضته بعد ذلك، وكانت اشترطت عليه الذهاب للمسجد، استنادا إلى حديث رسول الله «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، حتى إنها شهدت استشهاده فى المسجد. تزوجها بعده الزبير بن العوام، وقد اشترطت عليه الصلاة فى المسجد، فوافق، والزبير كان زوج أسماء بنت أبى بكر أخت عائشة، وتخيلوا غيرة النساء، فقد أصبحت ضرة أختها وقد كانت زوجة أخيها، كان الزبير غيورًا عليها، وأوضح رغبته فى عدم ذهابها للمسجد، فقالت له إن أمرتنى استجبت، ولكنه كان يعرف وعده لها، فتحايل الزبير بن العوام، واختبأ لها وهى عائدة من صلاة العشاء، ولمس جسدها «هذا ما ذكرته الكتب، وسأترك للقارئ أن يطلق لخياله العنان، لمعرفة ما فعله الزبير مع عاتكة زوجته، وما حدود وشكل هذا التحرش الذى دفعها إلى القسم بعدم الخروج من المنزل» وأسرع وذهب قبلها للمنزل وجاءت بعده، وفى صلاة الفجر، قال لها ألن تذهبى للصلاة، فأقسمت بأنها ستبقى فى منزلها، وقالت له فسدت أخلاق الناس، فعندما اطمأن بقسمها، وشعر بفجيعتها وألمها النفسى من هذا الموقف أخبرها بالحقيقة «الزبير بن العوام كان من المبشرين بالجنة، ولكن هذا لا يمنع، شوية شقاوة، فى الحلال طبعًا، دافعهم الغيرة الشديدة». استشهد الزبير بن العوام، فى معركة الجمل بين جيش على بن أبى طالب، وجيش فيه طلحة والزبير والسيدة عائشة، وهذا لم يمنع أن يخطب عاتكة بعده على بن أبى طالب، ولكن الصحابة نصحوه بأن لا يتزوجها، لأنها لقبت بزوجة الشهداء، بمعنى محتاجينك فى الخلافة يا على «بمعنى أن التطير كان موجودًا، أو بمعنى الفأل السيئ، رغم أن هناك حديثا فى ما معناه (لا تطير فى الإسلام)»، ولكن على بن أبى طالب استشهد أيضًا، يبدو أن النية كانت كافية، ولكنها تزوجت بعد ذلك الحسن بن على.
ما الدنيا كانت حلوة أهيه، أمال معقدين أمِّنا ليه. ما أردت الوصول إليه، أن مجتمع الصحابة، كان مجتمعا بشريا، لم ينسَ الصحابة الكبار حظوظهم من الدنيا، لا يحدثنى أحد عن النقاب، فى كل تلك الأجواء المليئة بالحب والجمال والتتيم، والغيرة، أيضًا نلاحظ زواجها من عبد الله بن أبى بكر، ثم زواجها من عمر بن الخطاب، وهو فى سن يقرب من سن أبى بكر الصديق، وزواجها فى النهاية، من الحسن بعد ذلك الذى كان فى السابعة من العمر عندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يعنى أن فروق السن، سواء من جانب المرأة أو الرجل لم تكن عائقًا، وإن كان بعض الروايات يقول، إنها كانت تزداد جمالا كلما كبرت فى السن، نلاحظ الغيرة أيضًا بين النساء، بين السيدة عائشة، وعاتكة، حتى قال بعضهم إنها تزوجت الزبير مكايدة فى عائشة. ملاحظة أخيرة، الحرب كانت بين على بن أبى طالب رضى الله عنه، والصحابة طلحة والزبير والسيدة عائشة فى معركة الجمل، وقُتل الزبير، ولم يمنع هذا خطبة على بعد ذلك لعاتكة، مما يعطينا انطباعا، أن المجتمع كان يعتبرها فتنة، ولم يكن يخَطِّئ أحدهم بشكل كبير، وكانت فى ظل الصراع السياسى المحتدم فى هذا الوقت، بعد مقتل عثمان، فى النهاية فالتاريخ ليس حقائق مطلقة، خصوصا الحوادث الثنائية، ولكن الحدث الكبير كزواج عمر أو الزبير من عاتكة، ليست أسرارا، ولكن كان يعلمها كل أهل المدينة، ورواها كثير عن كثير، فرحمة بأجيال أتت بعد هذا العصر بأربعة عشر قرنًا وأكثر، فنحن نقترب من منتصف القرن الخامس عشر الهجرى، فى مجتمع متنوع، وتعاقبت عليه حضارات وثقافات كثيرة، لا بد من التعامل معها من المنطلق الواقعى لا المثالى، لأن المجتمع الأول لم يكن مثاليا، ولكنه كان أقرب إلى الواقعية، وواقعنا يختلف عن واقعه، فلنعش زماننا، ونفكر بآلياته، ومزيد من الحرية، مزيد من التسامح، هو طريق التقدم.