قطعًا هذا كابوس لا بد وأن نفيق منه ونبدد سواده وسيئاته وسوءاته، لا، لا يمكن أن نكون على هذا القدر من الأنانية والمصالح الشخصية على حساب الوطن، هل نكره أولادنا وأحفادنا كل هذه الكراهية فنترك لهم وطنًا واهيًا ضعيفًا على شفا حفرة من النار؟! هل وصل بنا الخبل إلى درجة لم نعد نعرف فيها أن ما نصنعه اليوم هو «الميراث» الذى سيتقاسمه أولادنا وأحفادنا؟!
احتجاجات واعتصامات وإضرابات، هل نحن نكمل مهمة الإخوان فى تفكيك الوطن وتفتيته؟
كانت غالبية المصريين تنتقد حكومة الدكتور حازم الببلاوى، وكان نقدها على حق، على الرغم من الجهود التى بذلتها الحكومة، لكن كانت أقل من توقعات المصريين، وتغيرت الحكومة وبدأ المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الجديد يشكل حكومته، فإذا بالاحتجاجات تحاصره، بحجج ما أنزل الله بها من سلطان، وخذوا حجة وزير الرى السابق مثالا، فرئيس الوزراء اختار المهندس طارق قطب وزيرًا للرى، فإذا بالوزير السابق يأخذ ذيله فى أسنانه على مجلس الوزراء معترضًا، ومتهمًا المرشح الجديد بارتكاب مخالفات مالية فادحة، حال عمله مساعدا أول للوزير فى مشروعات
تطوير رى، ولم يغادر إلا بعد أن تأكد من «قلشه». المدهش أن وزير الرى السابق لم يبلغ النيابة بهذه المخالفات إلا من أربعة أيام فقط، أى فى نفس يوم تقديم الحكومة السابقة استقالتها، وهذه مسألة مريبة وعجيبة، فإما هذه المخالفات معلومة من زمن ووضع عليها الوزير ماجورًا، واضطر إلى رفع الماجور لما أحس بأن خصمه قادم للجلوس على كرسيه، وهذه مصيبة كبرى.
أما الاعتراضات على المرشحين لوزارات الثقافة والقوى العاملة والكهرباء والعدل والتعليم العالى، فهى لأسباب تفطّس من الضحك، فكل وزارة «عايزة» وزير من عندها، وليس وزيرًا أجنبيا يهبط عليها بالباراشوت من الخارج، وهذا سبب سخيف وغبى، فالوزير منصب سياسى لا فنى، قد يجوز هذا فى تعيين مدير عام أو وكيل وزارة وفى ظروف معينة، أما فى منصب الوزير فهو جزء من الفوضى التى نصر على دوامها، كما لو أنها صارت من طبيعتنا ولا نستطيع الاستغناء عنها، حتى الذين جاؤوا من نفس الوزارات طاردتهم شائعات وكلام غريب، فالمرشحة ناهد العشرى لوزارة القوى العاملة متهمة بأنها كانت ذراعا من أذرع عائشة عبد الهادى وزيرة القوى العاملة فى عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك (المخلوع)، وفى الوقت نفسه كرّمها الرئيس محمد مرسى (المعزول) بنوط الامتياز من الدرجة الأولى فى آخر عيد للعمال! كما أنها لا تقف فى صف المطالب العمالية ووقفت مع أصحاب الأعمال فى وقت تكثر فيه مطالب واعتصامات العمال (!!)، يعنى العمال عايزين وزير على قدر مطالبهم واعتصاماتهم وإضراباتهم، وفى الوقت نفسه رفض رجال الأعمال تعيين المهندس محمد شاكر وزيرًا للكهرباء، لأنه موجود فى السوق وهذا سوف يؤثر على «مناقصات» الوزارة وحيادها، كما لو أن وزارة الكهرباء «معمولة» من أجل المناقصات والمزايدات، وليس لتوفير الطاقة الكهربائية للمواطنين والمصانع والأشغال!
أما وزير التعليم العالى المرشح فهو مشبوه متسلل قادم من جامعة خاصة، وليس من جامعات الحكومة، وما أكثرها وما أروع مستوى التعليم فيها، ولن أتحدث عن وزارة العدل حتى لا يتصور القضاة المعترضون على الوزير المرشح أننى لا قدر الله، أسخر أو أُعرِّض بموقفهم، فأنا لست حمل قضية إهانة، أجد نفسى بعدها محبوسًا نائمًا على البرش، وهذه مخاطرة مع وجود عدد كبير من الجماعة بالسجون وقد يثأرون منى عقابا على ما كتبته ضدهم.
باختصار يشكل إبراهيم محلب الحكومة حسب شروط «مصالح صغيرة» لفئات وطبقات فى المجتمع، وليس حسب تصوره للكفاءات القادرة على تنفيذ برامج وسياسات تحسن مستوى حياة المواطنين، وهنا لا أدافع عن شخص ولا تيار وإنما عن فكرة، وقطعًا من حق المجتمع أن يبدى رأيه فى تشكيل الحكومة، وأن يعترض، ولأسباب عامة لا خاصة، ودون ابتزاز وتهديد بالاعتصام وتعطيل العمل.
صحيح أن مصالحنا الخاصة جزء من مصالح الوطن، لكن كثيرًا ما تتعارض مصالح الفئات مع بعضها البعض، والشعوب الذكية الباحثة عن مستقبل أفضل هى القادرة على التقابل فى نقط توافق وتوازن، دون أن يفرض تيار أو فصيل أو فئة شروطها، فما بالكم فى وطن جريح مصاب يريد أن ينهض وأبناؤه ينهشون فيه بالمطالب والاحتجاجات؟!
مصر وطن لا نستحقه.