عاد صابر عرب إلى مقعده وزيرًا للثقافة بعد أن كان حتى اللحظات الأخيرة مستبعدًا قبل أن يتم استدعاؤه إلى دكة الاحتياطى، لقد شاهد بأم عينيه رئيس وزراء يستقبل عددًا من مرؤوسيه وآخرين من خارج دائرته يرشحهم للمنصب، ما الذى تتوقعه من وزير قرأ بنفسه خبر تعيين وزير آخر، وهو الكاتب أسامة الغزالى حرب، وللمرة الثانية حيث إنه فى وزارة الببلاوى شاهد إيناس عبد الدايم، وهى فى طريقها لتحلف اليمين، ثم لجؤوا إليه فى المرتين كمحطة أخيرة، الأولى كان السلفيون وراء استبعاد إيناس، هذه المرة تحركت ميليشيات ممن يطلقون على أنفسهم جموع المثقفين تقول «لا نريد أسامة فهو ليس منا»، بل قالوا «ليس مثقفًا»، هل فقط المثقف فى عرفهم هو الذى يكتب رواية أو يرسم لوحة أو يقرض الشعر؟ أتذكر من وزراء الثقافة الناجحين منصور حسن وعبد الحميد رضوان على سبيل المثال، ولم يمارس أى منهما الإبداع بمعناه المباشر، بل لم يمارسا حتى كتابة المقالات أو الأعمدة الصحفية مثل حرب، الذى يكتب المقال والعمود والتحليل السياسى، وهو بالتأكيد نوع من الإبداع، إلا إذا كان هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بجموع المثقفين يرون أن الإبداع والثقافة هو فقط ما يمارسونه.
إنهم فى العادة يتوحدون فى لحظات الشدة، وهى تعنى أن هناك قادمًا جديدًا لا يعرفون مفاتيحه من الممكن أن لا يستطيعوا التعامل معه، نعم هذا القادم من مكان بعيد غير محمل بأى صفقات ولا حسابات ولا حساسيات مع أحد، وهو فى ظنى الأوفق، لكنهم توحدوا فى لحظة مصيرية لإعادة رجلهم، لم يعلنوها مباشرة فى بيانهم الأول، لكنها كانت مضمرة بين السطور كان لسان حالهم يقول لماذا لا يأتى من نعرفه ويعرفنا وينفذ مطالبنا، الشاعر عبد الرحمن الأبنودى من مقره فى مدينة الإسماعيلية كتبها على بلاطة وطالب بإسناد الوزارة مجددًا إلى صابر عرب بحجة أنه سيستمر شهرين أو ثلاثة حتى إعادة تشكيل الوزارة، وهى نفس الحجة السابقة التى طالبوا فيها بإسنادها إليه حتى يتم التشكيل الجديد، ودائمًا سيتكرر ذلك، فنحن لا نعيش فى ظل استقرار يتيح أو يضمن لأى مشروع البقاء ولا لأى وزارة البقاء، ألم نكن نعتبر أن الجنزورى مؤقت وقنديل مؤقت والببلاوى مؤقت ومحلب مؤقت؟ ما الذى يضمن أن رئيس الوزراء القادم ليس مؤقتًا؟ نحن فى زمن كل شىء فيه مؤقت، لا تنس أنه يحكمنا حتى الآن رئيس مؤقت، هم يريدون الثبات للوزير المؤقت بحجة أنه مؤقت.
هل يملك صابر عرب إصدار قرار وهو فى هذه الحالة من الضعف؟ الحقيقة لا، كما أنه سيجد نفسه أمام قوة موازية هم الخمسة الذين ترددت أسماؤهم بالفعل، والتقوا رئيس الوزراء، ورشحوا لاعتلاء الكرسى، وخمسة آخرين استطاعوا تسريب أخبار تؤكد أنهم تم ترشيحهم، هؤلاء لديهم الآن سطوة وقوة، والعديد من القوى المتعارضة والمتشابكة ستحكم القرار القادم، والرجل سوف يظل فى حالة ضعف مزدوج بسبب المثقفين الذين جاؤوا به على الكرسى والمرشحين الذين انتزع منهم الكرسى وبينهم عدد من مرؤوسيه المتربصين به وعينهم على الكرسى، حالة من الهرج والمرج سادت الحياة الثقافية منذ ثورة 25 يناير، وهكذا صارت كل الطرق تؤدى فى النهاية إلى صابر عرب.
عندما بدأ البحث عن وزير الثقافة من الذى أدخل المثقفين طرفًا فى اللعبة هل حرصهم على الثقافة أم مصالحهم؟ وزارة الثقافة تُعنى بالدرجة الأولى بالإنسان المصرى، لو كنا نبحث أو نتوخى الحقيقة لقلنا إن المثقفين ليسوا هم المعنيون أساسًا باختيار وزير الثقافة، لكن المفروض أن الثقافة مثل الدعم تصل إلى مستحقيها، وهم الناس، وعلى الدولة أن تختار الوزير الذى يملك رؤية تتيح أن تصل الثقافة للشعب.
إلا أن هؤلاء المثقفين من أصحاب الصوت العالى، الذين تستضيفهم الفضائيات، وهم بالتأكيد لا يعبرون عن الأغلبية، حريصون على بقائه، بينما الأغلبية خارج نطاق تلك الدائرة لم يسألهم أحد، صابر عرب يعلم تمامًا أنه لا حول له ولا قوة مثل زكى قدرة «وقع يا زكى يا قدرة يوقع، الغى يا زكى يا قدرة يلغى»، لقد رأى العين الحمرا، وهم يستطيعون أن يستبدلوه بآخر لو أرادوا، ما الذى تتوقع من وزير مهيض الجناح؟