ألتمس العذر للمهندس محلب.
الرجل قادم من عصر قديم. يفكر بنفس العقل ويتصور أن الناس فى أزمتها ندمت على الثورة، أو لم تعد تريد التغيير وأنها ستعود إلى زمن التحالفات القديمة.
نسى محلب أو أن من اختاره نسى أو تصور أن الأزمة الحالية تدفع المجتمع كله إلى الماضى. أو زمن الاستبداد الجميل الذى كانت فيه الحكومات تهبط من وحى سكان الغرف المغلقة.. أولئك الكهنة الفاشلون.. الذين لا يعرفون إدارة حجرة فى بيوتهم.. يديرون دولة كاملة وبعقلهم المولود فى زمن الانحطاط المباركى.
نحن الآن فى السنوات الأولى بعد اغتيال السادات، حيث يشارك رئيس الحكومة الجديد فى الدعاية لنفسه على طريقة مبارك، الذى أعلن فى الصحف رفضه لإعلانات التهنئة... ووقف أمام الكاميرات ببدلة سفارى إنتاج مصانع المحلة الكبرى... وقال فى الصحف لن أترشح سوى مرة واحدة.. وقال أنا اسمى حسنى مبارك.
مبارك هذا نفسه لم ينجز شيئا إلا فى تغيير أرقام حساباته فى البنوك... وموديل بدلته التى صنعها له خصيصا مصنع بريطانى كتب اسمه على نسيج القماش.
الفارق بين الصورتين هو المسافة بين الإنجاز والبروباجندا وبين الاستبداد والديمقراطية.. أو بمعنى آخر هو عدم تحويل «الحركات الاستعراضية» إلى بديل عن العمل السياسى.
ومحلب ابن المقاولات أو التعامل مع المشكلات بمنطق اللحظة أو فى حدودها الصغيرة/ اختاره من اختاره فى لحظة تحتاج البلاد فيها إلى رؤية سياسية تبنى جسرها إلى المستقبل لا تعود بها إلى عصر بروباجندا الأحزاب المستبدة.. التى يدعى رجالها الفقر أو القرب من الشعب وهم يبنون ثرواتهم وسلطاتهم فى مكان آخر.. هذه إذن قصة مصر من العشر الأوائل فى عهد مبارك إلى العشر الأواخر... حيث اختفى الخجل من الثروة وأصبحت استعراضا كما كان الفقر والشعبوية استعراضا.
المهم ماذا ستفعل يا باشمهندس؟ وما انحيازاتك؟ وما خلق الاستعراضات الأولى «زيارة السيدة زينب/ إلغاء الموكب/ إلغاء المياه المعدنية فى مجلس الوزراء..» هل هى تقديم نموذج جديد/ أم بروباجندا تغطى على ما لن يحدث؟
اختار محلب 3 رجال أعمال فى 3 مجالات تحتاج كلها إلى تطوير الأداء فى قطاعاتها الحكومية «التعليم العالى/ الصناعة/ الكهرباء»، وهذا مؤشر إلى أن فشل أحمد نظيف يستنسخ بالحرف.
كما أن اختيار عدوة العمال وصاحبة مقولة «خليهم يضربوا رأسهم فى الحيط» وزيرة مسؤولة عن العلاقة مع قطاعات غاضبة، ليس إلا مؤشرا على انحياز واضح لمنطق «البلطجة» القديم، الذى يتلخص فى أن حل المشكلات يمكن أن يكون بعيدا عن حقوق العمال.
ولهذا غاب الكلام عن «الحقوق» فى الخطاب الأول لمحلب/ كما بدا من تركيزه على العمل كأننا نعيش عصر الكسل الإرادى أو كأن ضخ الاستثمارات لا بد أن يكون على طريقة استعباد العمال أو نسيان حقوقهم... أو اعتبار أن إقامة نظام عادل للعمل والصناعة من ضروب المستحيل.
البروباجندا مرة أخرى هى سيدة الموقف فى اختيار محلب الذى يأتى بحكومة لا سياسة فيها فى لحظة تبنى البلاد سياستها.. أو تؤسس لإعادة السياسة من مدفنها فى دولة الاستبداد.
محلب يأتى بعد 8 أشهر فى رئاسة مجموعة الخدمات فى حكومة الببلاوى التى غرقت فى الفشل لأسباب أهمها عجز الحكومة عن الخدمات.
كما أنه حافظ/ أو صدرت له التعليمات بالحفاظ على وزير الداخلية فى لحظة لم يتحقق فيها الأمن، بعد كل ما حصل عليه الجهاز الأمنى من قوانين قمعية وتفويض شعبى.
ماذا ستفعل حكومة من المفروض أن عمرها أسابيع؟
وكيف تعود إلى الطبقة السياسية التى سقطت؟
وكيف ستدير الحكومة انتخابات رئاسية وقد وقع رئيسها على وثيقة تأييد لمرشح محتمل؟
يثير محلب أسئلة.. وهواجس أكثر من أى شىء آخر.. خصوصا أنه قادم من حكومة أنهت عهدها بإهانة ومهانة.. فكل الوزراء لم يعرفوا باستقالة/ أو إقالة الحكومة إلا قبلها بنصف ساعة، كأنهم يقبلون بالخضوع لإرادة عليا.. تحركهم مثل عرائس الماريونيت.