«ليك ماضى كله سوابق فى الحب مالهش أمان/ وأنا عايزة حب حنين مش حب يودى لومان» من ينسى شريفة فاضل بتلحين منير مراد فى «حارة السقايين» وهى تردد هذه الكلمات المشاغبة والحراقة، التى تصل إلى حدود صياعة ولاد البلد ولكنها لا تتجاوز أبدا حدود الأدب.
إنه حسين السيد، الشاعر، ابن البلد، خفيف الظل، حاضر البديهة والقفشة والنكتة، والمتعدد فى أوجه الإبداع، ولهذا تستمع إليه فى حالة تحليق وشجن وهو يقول بصوت نجاح سلام وألحان السنباطى «القصور اللى كلامك كان بنيها/ واللى كل جواب فرش لى ركن فيها».
للحب وجهان مثل كل شىء فى الحياة، تراجيدى وكوميدى، ولهذا قال الفيلسوف الفرنسى بيرجسون «الحياة ملهاة كوميدية لمن يفكرون ومأساة تراجيدية لمن يشعرون»، شاعرنا الغنائى الكبير حسين السيد الذى مرت ذكرى رحيله الحادية والثلاثون قبل يومين، كان قادرا على أن يعبر غنائيا بإبداع وألق عن وجهى الحياة المتناقضين.
تأمل هذا المقطع «ييجى أبويا يعوز فنجان قهوة/ أعمله شاى واديه لامى/ وخيالك ييجى على سهوة/ ما افرقش ما بين خالتى وعمى»، هل رأيتم سخرية أكثر من ذلك فى «مين قالك تسكن فى حارتنا» لشادية والموجى.
إنه صاحب الرصيد الأكبر عددا وعدة فى مكتبة الأغانى العربية، فلم يترك الشاعر الكبير مجالا إلا وكانت له بصمته المتفردة، حتى فوازير ثلاثى أضواء المسرح مثل «كوتوموتو يا حلوة يا بطة» وغيرها تجد حسين السيد يشعل الحروف بروح الفكاهة والقهقهة.
عرفت الشاعر الكبير فى سنواته الأخيرة، وكنت دائما ما أحرص على أن أتجول معه من مبنى التليفزيون حتى مكتبه، الذى صار أيضا فى تلك السنوات بيته، حيث كان يقطن بوسط المدينة. أجمل رحلاتى سيرا على الأقدام هى تلك التى أصحبه فيها أستمع إلى حكاياته. كان دائما يمسك بشنطة «سامسونيت»، بها أفكار وومضات إبداعية، وكان له السبق فى عديد من المجالات: تأليف أغانى الأطفال مثل «ماما زمانها جاية» ونكتشف أنه كان يداعب ابنته، عندما كانت تبكى بسبب تأخر والدتها أستاذة الأدب الفرنسى لتصبح أشهر أغنية للأطفال. ومن خلال الحواديت التى كان يرويها لأطفاله كتب أيضا لمحمد فوزى «ذهب الليل».. أما أعمق أغنية للأم «ست الحبايب» فاستلهم كلماتها من والدته التى كانت تطلق عليه كنوع من المداعبة «ست الحبايب». والغريب أن الخاطر الشاعرى عندما ألحّ عليه لم يستطع أن يلاحقه بالورقة والقلم فكان يكتب شطرة شعرية ويملى زوجته شطرة. أطلق على كل أبنائه أسماء تبدأ بحرف الحاء «حمدى»، «حميدة»، «حميد» بينما هو «حسين» فأصبحت إمبراطورية «حاء» على غرار «إمبراطورية ميم» لإحسان عبد القدوس. لم ينسَ فى أغانيه أن يذكر اسم زوجته «د.نعيمة»، فكتب مداعبا «عليكى خطوة يا نعيمة لو شافها مخرج فى السيما يعملك فيلم عليه القيمة» فى «كايدة العزال» لعايدة الشاعر!!
دخل عالم الأغنية من باب حبه للتمثيل، فكان واحدا من الكومبارس الذين سعوا للاشتراك فى فيلم «يوم سعيد» فى مطلع الأربعينيات بطولة محمد عبد الوهاب، واستمع بالصدفة إلى مخرج الفيلم محمد كريم، وهو يقترح على عبد الوهاب أن يقدم أغنية على إيقاع أقدام الخيل، فقال له عبد الوهاب إنه قرأ كلمات أكثر من أغنية ولم يجد فيها المطلوب، فما كان من حسين سوى أنه فى اليوم التالى تقدم بأغنية «إجرى إجرى» لتحدث توأمة غنائية بينه وبين عبد الوهاب، حيث كتب له ما يزيد على 70% من أغانيه سواء التى غناها بصوته أو لحنها لآخرين.
غنى له الجميع ما عدا أم كلثوم، لا أحد يستطيع أن يعرف السبب بدقة.. شاعر كبير ومطربة عظيمة وُجدا فى نفس الزمن. من الممكن مثلا أن نذكر أن علاقته بعبد الوهاب صنعت بينه وبين أم كلثوم جفوة ما، لأنه كان شاعره الملاكى، إلا أن عبد الوهاب لحن لأم كلثوم عام 1964 «إنت عمرى»، وقدم لها بعد ذلك عشرة أغان لكبار الشعراء ما عدا حسين السيد.. تحليلى الشخصى أنه لم تحدث كيميائية بين أشعاره وصوت أم كلثوم. سألته فقال لى أم كلثوم تتدخل فى الكلمات، ولهذا لم يكتب لها فى حياتها، وبعد رحيلها كتب لها مرثية غنائية حملت اسم «أم كلثوم».
ما رأيكم أن ننهى المقال بشعر حسين السيد وموسيقى عبد الوهاب وصوت ليلى مراد فى «الدنيا غنوة/ نغمتها حلوة» ورغم ذلك يقول فى شطرة تفيض رقة وعذوبة وشجنا «يا اللى تقول الآه.. آه منك»!!