يكتب الناس عما يحبون وأنا أكتب عما أكره فاستحملونى..
فعلا، لا أعرف سببا محددا يجعل شخصا يتأخر عن ميعاده طوال الوقت، فما بالكم إن كان طبيبا، ينتظره المريض القَلِق على صحته والمتعَب من آلام المرض، والخائف من تأخر تشخيصه. لا أعرف سببا لتأخر جميع الأطباء بلا استثناء، ولا أعرف أيضا كيف لمريض أن ينتظر!
قصة انتظار المريض للطبيب، مشهورة جدا فى مصر وتقارب التعذيب فى الأقسام، حيث يتخذ الأطباء من «الأولوية للحضور أولًا» قاعدة فى التعامل مع مرضاهم -هذا إن كانوا يعتبرونهم هكذا فعلا - وللأطباء قواعد أخرى كلها تصل فى النهاية إلى القاعدة السابقة، فأصبح الواحد منا يخصص يوما كاملا للذهاب إلى الدكتور، وقد يتطور الأمر قريبا إلى المبيت أمام العيادات «اللى هييجى الأول بقى».
من الأطباء من تتصل بعيادته لتحجز فيؤكد لك مساعده أنه يتوجب عليك الحضور فى الخامسة عصرا للدفع وتأكيد الحجز بنفسك، بينما الطبيب نفسه سيحضر بدءا من الثامنة والنصف!، ومنهم من يكشف على مرضاه من 6-9 فقط، بينما هو يصل إلى عيادته فى الثامنة، ومنهم من يوجد فى العيادة لساعتين بينما عدد المرضى 20 بحيث يقضى مع كل منهم 6 دقائق، رغم أن الموضوع بسيط، حضرتك تعالى فى ميعادك ولو هتقعد 3 ساعات خلّى اللى يحجزوا 12، واقعد مع كل واحد منهم ربع ساعة.
تفاصيل قصص تأخر الدكتور على المرضى كثيرة، وكلها مؤلمة، وأعتبرها أحد الانتهاكات والإهانات التى تواجهنا فى حياتنا، ولا تقل مهانتها عن شىء آخر تراه أنت انتهاكًا لحريتك وحقوقك، وليست كل الانتهاكات تتم فى أقسام وسجون اللواء محمد إبراهيم فقط.
بسبب هذه الأمور لا أحب الذهاب إلى الأطباء رغم أننى أعانى ألمًا فى ذراعى منذ ثلاث سنوات، وعندما قررت أن أذهب إلى الطبيب منذ عام ونصف العام بعد أن انتظرت ساعتين كاملتين، دخلتُ للطبيب الذى طلب منى بطبيعة الحال -وقد كان الوقت شتاءً- أن أخلع الملابس عن الجزء العلوى من جسدى ليكشف على عظام العمود الفقرى بالمرة، خلعت فعلا، فى الوقت الذى ذهب الطبيب لحجرة مجاورة وتركنى لمدة 23 دقيقة أعانى من البرد منتظرًا إياه –أنا ما صدقت هاكشف!- وعندما عاد، سألته بشكل عادى: حضرتك كنت فين كل دا؟ فقال: مش فاهم السؤال.. قلت: يعنى ماينفعش تسيبنى كل الوقت دا.. أنا جاى أكشف مش جاى أخد إنفلونزا وأمشى. فما كان منه إلا أن استغرب مرة أخرى السؤال كأننى أطلب منه «حاجة حرام لا سمح الله»، وبالطبع واجهته بما يلزم لشخص مثله لا يحترم مرضاه ويعتقد أنه «محترم».. وطبعا الحمد لله ذراعى ما زال يتعبنى.
سيبك من ذراعى.. عندما كانت ابنتى عمرها خمسة أيام فقط، مرضَت واحتجتُ إلى أن أذهب بها إلى الطبيب سريعا بعدما أكد لى الطبيب -الذى وددت لو أتى إلى المنزل- أنه سيحتاج إلى ساعتين ليصل إلىّ، ولأن المسافة بينى والطبيب الآخَر كانت نصف ساعة فقط، فاخترت الأخير، بعد أن اتصلت به وقال لى: أمامى ساعة إلا ربع فقط، وكان اليوم باردًا للغاية -أيام ما كان بينزل ثلج- وصلت إلى العيادة ودفعت وانتظرت الطبيب.. ربع ساعة.. نص.. ساعة.. ساعة ونص، يتخللها أكثر من اتصال بالطبيب، وطبعا الممرضة كالعادة «جاى ف السكة»، ولأن درجة حرارة العيادة كانت قد اقتربت من «الفريزر»، وبينما أموت بداخلى من تعب ابنتى، وأحتار ما بين الانتظار الذى لا أعرف له نهاية وخوفى أن يزداد تعبها بسبب البرد، يؤكد لى الدكتور الذى كان سيصل إلى العيادة عقب وصولى بربع ساعة «قرَّبت أوصل»، وبينما الشوارع تقريبا لا تسير بها سيارة واحدة كل 5 دقائق، قررت أن «أشتمه» وأذهب ببنتى إلى البيت. ابنتى عمومًا حتى استقرت لدى طبيب مرَّت بستة قبله لا يحترم أى منهم مواعيده، بمن فيهم مَن تتابع لديه الآن.
كما قلت، الوقائع كثيرة، ولست بطلها الوحيد، آخرهم صديق رفض أحد الأطباء توقيع الكشف الطبى عليه «تأدبًا» مع طبيب آخر كان يتابع صديقى لديه من قبل، رفض الطبيب حتى مقابلة صديقى المريض للغاية رغم أن حالته لا تحتمل مزيدًا من التأخر، من أجل عيون زميله، الذى بالمناسبة لن يعود إليه صديقى لأزمة مشابهة حدثت بينهما، ليضع الطبيب بروتوكولا جديدا للمهنة فى مصر، يمكن لنقابة الأطباء أن تعتمده شعارا لها «إحنا اللى بنختار مرضانا مش همّا اللى بيختارونا».
كل هذا ويسألنى الكاتب والروائى حسن عبد الموجود، لماذا أكره بعض البشر؟.. يا أخى!