فى عصر الديجيتال من الممكن أن نكتشف مخرجًا فى عز شبابه بل حتى لو كان لسّه تلميذ فى المدرسة، والبركة فى الموبايلات وكاميرات الهواة، أما أيامى فأعتبر نفسى محظوظًا حين أخرجت أول أفلامى الروائية وأنا فى السادسة والثلاثين من عمرى، وهذا لم يمنع تحسّرى حينذاك أننى لم أخرج فيلمًا روائيًّا وأنا فى عزّ شبابى، واحترت من إصرار النقاد على وصفى المخرج الشاب وحتى حين بلغت الستين. اليوم وقد تعدّيت السبعين أصبحت بالنسبة إليهم المخرج الكبير أو المخضرم. ربما المخرج البرتغالى مانويل دى أوليفيرا، الذى أخرج أحدث أفلامه عام 2012 وهو على مشارف المئة عام، فقد نعتبره حالة خاصة، إلا أنه لا يزال نشيطًا فى الإنتاج التليفزيونى وقد بلغ 104 سنوات من عمره. فى مهرجان برلين لهذا العام اشترك المخرج الفرنسى آلان رينيه، بأحدث أفلامه فى المسابقة الرسمية وحصل على جائزة، وقد بلغ من العمر 91 سنة، بالمثل آخر أعمال المخرج المجرى ميكلوس يانسو، الذى توفّى هذا العام. الملحوظ أنه زاد عدد المخرجين الذين رحلوا بعد أن تجاوزوا الثمانين من أعمارهم ولم يكفوا عن إخراج أفلامهم، أمثال الفرنسى كلود شبرول، والسويدى إنجمار برجمان، واليابانى أكيرا كوروساوا، والإيطالى مايكل أنجلو أنطونيونى، أو آخرين لا يزالون يخرجون حتى اليوم، أمثال كلينت إيستوود، والبولندى أندريه فايدا. أما بالنسبة إلى سن السبعين فما فوق فأكثرهم غزارة فى الإخراج هو وودى آلن، الذى يخرج اليوم أحدث أفلامه وهو فى سن الـ77، نفس عمر الراحل لوى بونويل حين أخرج فيلمه الأخير. المخرج اليونانى ثيو أنجيلوبولس، لقى حتفه فى أثناء تصوير فيلمه حين صدمه موتوسيكل وهو يعبر الشارع، وكان قد بلغ الـ66 من عمره. العظة من هذا هو أن الإبداع ليست له سن، بل إن هؤلاء المخرجين الذىن ذكرتهم نالوا قسطًا كبيرًا من النجاح والتقدير والجوائز، لأنى أعتقد أن خبراتهم الحياتية أسهمت فى استمراريتهم كمخرجين ذوى بصمة فى عالم السينما. هذا بالذات كان دافع التحدّى بالنسبة إلىّ حين أخرجت فيلمى فى مهد الديجتال «كليفتى» (2004)، و«بنات وسط البلد» (2005)، وأفلام أبطالها فى العشرينيات من أعمارهم، بينما أيامها كنت فى العقد السادس من العمر، فهى خزعبلاية ربط سن المخرج بموضوع الفيلم الذى يتناوله أو حتى اللغة السينمائية التى يمارسها، فمثلما كلنا نمر بمراحل من الطفولة إلى المراهقة إلى الكهولة، المخرج يتطوّر من فيلم إلى الآخر، ولكن ليس بالضرورة حسب سنّه. أتعجب لإصرار بعض النقاد والإعلام عامة ربط الاثنين ببعضهما، متناسين القاعدة أن ما يميّز كل مخرج عن الآخر هو ثقافته وتاريخه وبصمته السينمائية، وليست سنّه.
بين المخرج الشاب والمخضرم
مقالات -
نشر:
26/2/2014 7:09 ص
–
تحديث
26/2/2014 7:09 ص