على الرغم من أن لجنة الانتخابات المركزية فى أوكرانيا أعلنت أن حملة الانتخابات الرئاسية ستنطلق (الثلاثاء) وتشكيل الحكومة خلال يومين، فإن النائب أندرى باروبى أحد قادة الاحتجاج فى ميدان الاستقلال، أعلن أن المحتجين لن يسمحوا للسلطات بإزالة المتاريس المقامة فى وسط العاصمة. ولم يستطع باروبى الإجابة عن سؤال حول مواعيد إخلاء مخيم المعتصمين فى الميدان، علمًا بأن معظمهم أتوا من المناطق الغربية للبلاد. هذا وقامت وزارة الداخلية الأوكرانية بضم عناصر المنظمات اليمينية المتطرفة وكتائب الدفاع الذاتى التابعة للمحتجين الأوكرانيين إلى قوام القوات الأمنية، وهم يقومون بحراسة المؤسسات الرسمية فى كييف وعدد من المناطق الأخرى بجانب قوات الأمن.
فى السياق نفسه أعلن البرلمان عن شروط الترشح للحقائب الوزارية التى تتضمن أن لا يكون المرشح قد عمل فى الإدارة السابقة، وأن تتم الموافقة من الميدان. وبالفعل تم اختيار عدة أسماء من المؤسسة الدينية ومحاربى أفغانستان وقادة المجموعات التى عملت فى الميدان.
وأعلن المتحدث الرسمى باسم المفوضية الأوروبية أوليفيه بايى، عن اعتراف الاتحاد الأوروبى بشرعية الرئيس الأوكرانى المؤقت، رئيس البرلمان ألكسندر تورتشينوف، وقال بايى: «إننا نحترم العملية التى تم خلالها تكليف السيد تورتشينوف بتنفيذ مهام الرئاسة». وأضاف أن «المؤسسة التى تشكل ضمانة لشرعية أوكرانيا الديمقراطية -أى البرلمان- اتخذت فى أغلبيتها الساحقة فى اليومين الماضيين هذا القرار».
من جانبه اعتبر رئيس الوزراء الروسى دميترى مدفيديف، أن شرعية عدد من أجهزة السلطة فى أوكرانيا تثير كثيرًا من الشكوك. وأعرب مدفيديف عن استغرابه من أن بعض الدول الغربية ترى أن الأجهزة الجديدة للسلطة فى أوكرانيا شرعية، واصفًا ذلك بالانحراف فى الوعى عندما يطلقون الشرعية على ما حصل جراء تمرد مسلح فى جوهر الأمر. وأكد مدفيديف أن روسيا مستعدة لاستئناف التعاون مع أوكرانيا عندما ستشكل سلطة عصرية مبنية على الدستور، مشددًا على أن أوكرانيا ستبقى بالنسبة إلى روسيا شريكًا مهمًا.
واعتبرت موسكو أنه يجب على سوزان رايس مساعدة الرئيس الأمريكى للأمن القومى، أن تعطى النصائح للقيادة الأمريكية عن خطأ استعمال القوة. وقال مصدر فى الخارجية الروسية فى سياق تعليقه على تصريحات رايس التى اعتبرت فيها أن إدخال القوات الروسية إلى أوكرانيا سيكون خطأ كبيرًا: «لقد انتبهنا إلى تقييمات رايس المبنية على إدخال القوات الأمريكية إلى عديد من النقاط فى العالم لمرات عديدة، خصوصًا إلى تلك المناطق التى -حسب رأى الإدارة الأمريكية- تكون فيها الديمقراطية الغربية فى خطر، أو النظام يبدأ فى الخروج عن السيطرة».
وفى الوقت الذى التقت فيه الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن فى الاتحاد الأوروبى كاثرين آشتون، بالقائم بأعمال الرئيس الأوكرانى، وبحث الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع نظيره البيلاروسى ألكسندر لوكاشينكو فى اتصال هاتفى الأوضاع الراهنة فى أوكرانيا.
غير أن المفاجأة التى أثارت ضجة سياسية وعسكرية أن حلف الناتو أعلن أن أوكرانيا مدعوة إلى المشاركة فى لقاء وزراء دفاع الناتو فى بروكسل يومى ٢٦ و٢٧ من فبراير الجارى. وأعربت المتحدثة الرسمية باسم «الناتو» أوانا لونجيسكو، عن ثقتها فى احتمال عقد لقاءات ثنائية واتصالات أخرى، مشددة على أن وزراء دفاع دول الحلف سيهتمون بإجراء لقاءات بناءة مع مندوبى الجانب الأوكرانى». وذكرت أنه يجب أن تتبلور القيادة فى أوكرانيا من أجل استئناف اتصالات «الناتو» مع القيادة الأوكرانية.
وتتزايد المخاوف من أن تصبح أوكرانيا ساحة لمواجهات أوروبية روسية من جهة، وأمريكية روسية من جهة أخرى. ومن الواضح أن تدخل «الناتو» بعد وصول المعارضة الموالية للغرب والولايات المتحدة، يعكس مدى التماس الذى جرى مؤخرًا فى وجهات النظر الأوروبية والأمريكية، بعد أن كان هناك صراع خفى بين الطرفين وصل إلى حد التلاسن والسباب. وبالتالى يمكن أن تتراجع التناقضات الأمريكية الأوروبية بالنسبة إلى الأزمة الأوكرانية، ليصبح الصراع أوروأطلسى - روسى على أراضى دولة تمثل ليست فقط خاصرة لروسيا، بل جزءًا لا يتجزأ من المصالح الجيوأمنية والجيواقتصادية والجيوسياسية لها. ويظهر الخطر الأكبر فى خروج أكثر من ٢٥ ألف مواطن أوكرانى فى إقليم سيفاستوبل ليرفضوا قرارات البرلمان الجديد ويعتبرون الحكومة الحالية غير شرعية. علمًا بأن تعداد سكان أوكرانيا يصل إلى ٤٦ مليون نسمة، يتركز معظمهم فى المناطق الشرقية التى تتحدث باللغة الروسية، وتضم أكبر قدر من أماكن العمل التى يأتى لشغلها مواطنو أوكرانيا الغربية. وهو الأمر الذى أشار إليه رئيس الوزراء الروسى دميترى مدفيديف، حين شدد على أن استدعاء السفير الروسى لدى كييف يعنى أن السلطات الروسية لم تفهم ما يجرى فى أوكرانيا، وهذا يعنى وجود تهديد لمصالحنا ولحياة وصحة المواطنين الروس. هذه الإشارة تذكرنا بتصريحات روسية قيلت قبل اعتداء جورجيا فى ٨ أغسطس عام ٢٠٠٨ على أوسيتيا الجنوبية بدعم أمريكى أوروبى شاركت فيه أوكرانيا فى أثناء حكم الرئيس فيكتور يوشينكو، وكانت رئيسة الحكومة آنذاك هى يوليا تيموشينكو.
إلى ذلك وبدأت المجموعات القومية المتطرفة فى تصعيد اجتماعى وشعبى بين الأوكرانيين بالترويج لفكرة أن روسيا قامت بتحريك قطعها البحرية العسكرية فى البحر الأبيض وستهاجم أوكرانيا من ميناء سيفاستوبل، بينما الشارع الأوكرانى فى حالة انقسام غير مسبوقة تشعلها الشائعات بأن روسيا سوف تتدخل عسكريًّا فى أوكرانيا، وقد تقوم الجيوش الروسية باحتلالها. وهو ما التقطته الإدارة الأمريكية ووسائل الإعلام الغربية لتبدأ حملة سياسية - إعلامية يجرى الترويج لها فى مختلف وسائل الإعلام، وعلى رأسها التى تنقل عن الوكالات الأوروبية والأمريكية.