قبل أسبوع كنت فى مهرجان «الجنادرية» بالرياض وعلى مدى أسبوع كان رفيقى فى الرحلة الكاتب الكبير وحيد حامد.
تربطنى بوحيد صداقة قديمة عندما كان فى البداية كاتبا إذاعيا قبل أن يصبح عنوانه الرئيسى السينما، مع مرور السنوات لم نعد نلتقى إلا قليلًا، ولكنه ظل دائمًا يحتل فى قلبى مساحة دافئة، زاملتُه فى مهرجان «كان» على الأقل 20 دورة، وكان وحيد هو أول من يحضر عرض الثامنة والنصف صباحًا ليحجز لنا بجواره ما تيسر من المقاعد.
أنشأ وحيد جماعة بالتأكيد هى جماعة موازية «للى بالى بالك» تلتقى أسبوعيا ظُهر كل يوم جمعة على مدى يقترب من ربع القرن أطلقوا عليها (مائدة الشر) ربما توقفت فى الشهور الأخيرة، ومن أشهر أعضائها عاصم حنفى وعمرو خفاجة ووائل الإبراشى والراحل ممدوح الليثى، هؤلاء فى حدود معلوماتى هم المنتظمون، ولكن سمحت المائدة أيضا بالانتساب، ومن بينهم الراحل أحمد زكى وعادل إمام وليلى علوى ويسرا وعادل حمودة وعبد الرحمن الأبنودى وإبراهيم عيسى ومحمود سعد، وبالطبع تمارس الجماعة شيئًا من الشر بين الحين والآخر لتؤكد جدارتها بالاسم.
وحيد من هؤلاء الذين يستيقظون مبكرًا أسوة بأستاذه الأول والأكبر نجيب محفوظ، ويبدأ فى الكتابة على تلك المائدة عدة ساعات متواصلة، وبعدها يتقاطر الأصدقاء والصحفيون وطلبة معهد السينما الذين يدرّس لهم مادة السيناريو، فهو أحيانا يعقد المحاضرة فى الفندق على ضفاف النهر مع شراب ساخن أو بارد، ولهذا يفضل الطلبة دروس السيناريو مع الكابتشينو.
سألت وحيد كثيرًا من الأسئلة وأفاض فى الإجابات على سبيل الدردشة ورفض النشر، مثل أسوأ خمسة أفلام فى تاريخه، والأفلام التى يريد إعادة إخراجها مجددًا ليست بين الخمسة فاختار ثلاثة تمنّى تقديمها برؤية مختلفة، سألته عن تلك العلاقة التى ربطته بعبد الحليم حافظ، وكان الإذاعى وجدى الحكيم هو خيط التواصل بينهما، حكى الكثير عنها، ولكنه لم يسمح لشىء بالتداول، إلا أننى مثلًا لا أجد حرجًا فى أن أذكر دون استئذان أن «اضحك الصورة تطلع حلوة» واحد من أقرب، إن لم يكن الأقرب إلى مشاعره.
قلت له: سأل الشاعر الكبير مأمون الشناوى سيدة الغناء العربى أم كلثوم قائلا إن الناس كثيرًا ما تقول «الله الله يا ست، فمتى تقول أم كلثوم الله يا ست» فأجابت بأنها بين الحين والآخر تكتشف أنها بالفعل تقول الله الله. وأعدت السؤال مجددًا على وحيد، فذكر بعض مقاطع من حوار «عمارة يعقوبيان» و«الإرهاب والكباب» وفيلمه الحميم «اضحك» و«البرىء»، هل الغيرة عرفت طريقها إليه؟ فقال: عندما أجد عملًا فنيًّا مبهرًا وكاتبًا يمتلك إحساسًا ونفسًا خاصًّا أتصل به أهنئه، أشعر بأننا يكمل بعضنا بعضًا، ولا يمكن للحياة الفنية أن تنتعش فقط إلا مع تعدد الأنفاس والألوان.
وذكر مثلًا أنه كثيرًا ما هنأ بشير الديك على ما قدمه للشاشتين، بل شاهد مؤخرًا على الفضائيات فيلمه «سكة سفر» وكان بشير قد أخرج أيضا «الطوفان»، فحرص على معرفة اسم المخرج من التترات، وطار فرحًا عندما قرأ اسم بشير كاتبًا ومخرجًا، سألته عن العمل الذى كتبه غيره وتمنى أن يضع اسمه عليه فقال لى: الرائع محسن زايد: فى «حديث الصباح والمساء» لنجيب محفوظ سيناريو ينبغى تدريسه، سألته عن كاتب السيناريو الموهوب والمظلوم قال لى فراج إسماعيل، الذى مع الأسف اختفى تمامًا ولا أدرى: أين هو الآن.
وحيد لم يتعاون مع ابنه مروان سوى مرة واحدة فى فيلمه الروائى الطويل الأول «عمارة يعقوبيان» رغم أنه لا يواصل حاليا العمل إلا مع جيل مروان، وهى لمحة ذكية من وحيد ودرسٌ للعلاقة المثالية بين الأب وابنه عندما يحترف نفس المهنة.
وعن حقيقة جزء ثان من «طيور الظلام» بعد الضجة التى أثيرت فى أثناء حكم مرسى وتقديم الكاتب والمخرج والبطل عادل إمام للمحكمة بتهمة ازدراء الأديان، أجابنى: لم يكن فى الأساس هناك جزء ثان، ولكن عندما تردد هذا الخبر لم يشأ وحيد أن يكذبه حتى لا يُساء التفسير.
قلت له: كنت أنت الأقرب إلى عاطف الطيب، فأجابنى: أحببتُه وقدمنا العديد من الأفلام التى أفخر بها، ولكن بشير الديك هو الأقرب إلى عاطف فنيًّا ونفسيًّا وفكريًّا!