فى سياق سعى الدول الرأسمالية المنتصرة فى الحرب الباردة لتجاوز حالة التناقض ما بين المبادئ والمؤسسات الحاكمة للعلاقات الدولية، وبين واقع هذه العلاقات والتفاعلات، طُرح موضوع تعديل ميثاق الأمم المتحدة. والهدف الرئيسى من وراء ذلك هو حذف أو تعديل ما فى الميثاق من مبادئ، تراها هذه الدول معوقة لحركتها الهادفة إلى تنفيذ أجندتها تجاه النظام الدولى.
ونقطة البداية هنا النظر إلى الميثاق على أنه أُعد لضبط التفاعلات فى نظام دولى متعدد الأقطاب، وهو النظام الذى برز بفعل انتهاء الحرب العالمية الثانية وتطور لاحقًا ليأخذ شكل القطبية الثنائية، أى أن نصوص الميثاق لم تعد تلائم واقع النظام الدولى اللاحق على انتهاء الحرب الباردة والذى تهيمن عليه منظومة الدول الرأسمالية، كما أنها لا تعكس التفوق الأمريكى.
وفى ما يخص المطالبة بتعديل ميثاق الأمم المتحدة، فقد اجتهد دارسو القانون الدولى والعلاقات الدولية فى الغرب، فى تقديم الحجج التى تبرر المطالبة بتعديل الميثاق. وكانت الحجة الأبرز فى هذا السياق أن البيئة الدولية التى جرى فى ظلها وضع الميثاق بعد الحرب العالمية الثانية مغايرة تمامًا لما هو قائم بعد الحرب الباردة، فالميثاق توجه نحو معالجة المشكلات والنزاعات والصراعات التى تندلع بين الدول باعتبارها مصدر التهديد الرئيسى للسِّلم والأمن الدوليين، ومن ثم فقد نص على المساواة فى السيادة بين الدول صغيرها وكبيرها، وعلى مبدأ عدم جواز استخدام القوة فى العلاقات الدولية إلا فى حالة الدفاع الشرعى عن النفس وصد العدوان، وأن أى استخدام للقوة فى غير هذه الحالات لا بد وأن يسبقه الحصول على تفويض بذلك من مجلس الأمن الدولى.
ويرى هؤلاء الدارسون أن التهديدات الأساسية للسلم والأمن الدوليين بعد الحرب الباردة لم تعد الصراعات بين الدول أو الصراعات عابرة الحدود الدولية، بقدر ما تأتى من النزاعات داخل الدول، لا سيما أن العديد من هذه النزاعات تطورت إلى حروب أهلية طاحنة شهدت أعمال قتل جماعى وتطهيرًا عرقيًّا وتشريدًا لمئات الآلاف من البشر. كما أن عددًا من هذه الصراعات تطور إلى صراعات إقليمية استقطبت العديد من الدول المجاورة على خلفية عامل أو عوامل الانقسام والصراع. ومن ثم فإن النظام الدولى فى حاجة إلى قواعد قانونية تتعامل مع النزاعات الداخلية بنفس قدر تعاملها مع النزاعات عابرة الحدود. كما أن هذا النظام أصبح فى حاجة لتشريع التدخل الدولى بشكل سلس عندما يبدو هذا التدخل مطلوبا لمواجهة تطورات داخلية فى بلد ما تهدد بالتطور إلى حرب أهلية تترتب عليها كوارث إنسانية.
وأضاف أنصار هذه الرؤية أن عدم تعديل الميثاق ومن ثم استمرار التناقض بين المبادئ والقواعد القانونية من ناحية، وطبيعة النظام الدولى ووقائع التفاعلات الدولية من ناحية ثانية سوف يؤدى إلى تهميش المنظمة الدولية وتجاوزها فى صنع القرارات الخاصة بضبط تفاعلات دولية معينة على النحو الذى بدا واضحا فى قضية كوسوفو. ويقصدون بذلك أنه ما لم يتم تغيير الميثاق على النحو الذى ترغبه واشنطن، فإنها، أى واشنطن، سوف تتصرف بشكل منفرد وفقًا لما تمليه مصالحها وما تتطلبه عملية تنفيذ رؤيتها وأجندتها تجاه النظام الدولى والنظم الإقليمية متجاوزة المنظمة الدولية.
وأضاف أنصار هذه الرؤية أن ميثاق الأمم المتحدة أشبه بدساتير الدول، لا بد من تطويرها لمواكبة التطورات الجارية، وإلا سيحدث نوع من الانفصام بين النصوص من ناحية والوقائع التى يفترض أن تحكمها هذه النصوص من ناحية ثانية، أو يكون جمود الدستور مقدمة لخرقه من جانب قوى عديدة، ومن ثم تبدأ مرحلة من الفوضى.
والواقع أن كل الدعوات لتغيير الميثاق قد قوبلت برفض مبدئى من جانب الدول التى لا تسير وفق التوجه الغربى بصفة عامة، ورأت هذه الدول أن تغيير الميثاق بات مطلوبًا بالفعل، ولكن من أجل تحقيق درجة أكبر من التوزيع العادل للمواقع المؤثرة فى المنظمة الدولية، لا أن يتم كى يلائم مرحلة التفرد الغربى الرأسمالى. وعندما اصطدمت الولايات المتحدة بمواقف رافضة لفكرة التعديل على النحو الذى ترغب فيه واشنطن، اتجهت، اعتمادًا على حقائق الأمر الواقع، إلى تنفيذ ما تريد عبر التصرف المنفرد أملًا فى أن يقود هذا التصرف إلى تواتر السلوك، الأمر الذى يحول السلوك بمرور الوقت إلى «العرف الدولى»، الذى يمثل المصدر الثانى للقانون الدولى بعد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.