أضحكتنى وأبكتنى حلقة باسم يوسف الأخيرة على ما يحدث فى وسائل الإعلام من تحول واضح، إلى الاعتماد على دجالى الدولة شبه المدنية، فى مقابل ما كان يحدث قبل الثلاثين من يونيو من اعتماد نظام الإخوان والسلفيين على دجالى الدولة شبه الدينية. كلنا نعرف كيف كان المتحمسون لمرسى يعتمدون لإثبات وجهة نظرهم، فى أحقيته بمقعد الحكم، على خزعبلات مريضة تتمسح بالدين مثل الحلم الذى رأى فيه أحدهم رسول الإسلام «صلى الله عليه وسلم» يطلب من مرسى أن يؤمّ الناس فى الصلاة بدلا منه، ومثل خرافة انتساب مرسى إلى عمر بن الخطاب كواحد من أحفاده، وكلنا رأينا كذلك ما تم ترويجه بعد سقوط نظام الإخوان من خزعبلات عن هبوط جبريل عليه السلام إلى اعتصام رابعة، لكى يحث الناس على الصمود من أجل استعادة رئيسهم المعزول. الآن فى كثير من البرامج التى تطرح سؤال من هو رئيس مصر القادم؟ يتحدث العرافون والمنجمون عن العلامات الفارقة التى تؤكد أن المشير السيسى هو صاحب مصر، الذى تشير إليه النجوم وفتح المندل وضرب الودع والمخطوطات القديمة! فى تلك البرامج توجد بالطبع وجهة نظر لها وجاهتها، تستند إلى أنه لا يليق بدولة مدنية محترمة مثل مصر أن تعتمد فى استنتاجاتها السياسية على رؤى دينية غيبية تستغل جهل الناس وغرقهم فى بحار الخرافة. بل الأليق بها أن تعتمد على رؤية علمية رياضية تستخدم منجزات المعرفة البشرية الراقية مثل علوم التنجيم وحسابات الأبراج الفلكية وقراءة الطالع وأوراق التاروت! بصراحة عداهم العيب! فى واحد من تلك البرامج تحدثت قارئة الغيب، التى قدمتها المذيعة النابهة بأنها خريجة كلية الهندسة لكى تؤكد للجهلاء من أمثالنا أن الموضوع علم وليس كلاما فارغا! قالت العرافة بثقة إن الرئيس القادم نصفه العلوى لا يشبه نصفه الأسفل! سألت نفسى بدهشة: هل تقصد مثلاً أن نصفه العلوى أسمر بينما نصفه السفلى أبيض؟ هل تقصد أن نصفه العلوى ذكر بينما نصفه السفلى أنثى؟ أم أنها تقصد أنه «ميرمان» أى عريس بحر نصفه العلوى إنسان ونصفه السفلى سمكة؟ تحيرت ولم أفهم ماذا تقصد تلك المرأة على وجه التحديد؟! قلت لنفسى: كل البشر نصفهم العلوى لا يشبه نصفهم السفلى. إذن فالرئيس القادم طبقًا لكلامها لا يتميز عنا بشىء يخصه وحده. كلنا ننظر إلى نصفنا السفلى ولا مؤاخذة فلا نرى وجوهنا. هذا أمر طبيعى. اللهم إلا إذا كانت تقصد أن الرئيس القادم هو الكائن البشرى الوحيد بيننا! وأن كلنا نمتلك أنصافًا علوية تشبه أنصافنا السفلية! على اعتبار أننا جميعا كائنات تعيش فى كوتشينة هائلة! نحن فيها مجرد أوراق لأولاد وبنات وشيوخ تتشابه أنصافهم العلوية مع أنصافهم السفلية! شفت الفكاكة بقى؟ هذا هو الاحتمال الوحيد المعقول الذى توصلت إليه انطلاقا من حقيقة أن العرافات وقارئات الطالع يستخدمن الكوتشينة كأداة من أدوات قراءة المستقبل، وأن شعب كوتشينة مصر هو الشعب الوحيد فى الوجود الذى يشترك أفراده جميعهم فى أن أنصافهم العلوية تتشابه مع أنصافهم السفلية. المرأة قالت لنا بوضوح وبعامية فصيحة إن الرئيس القادم نصه اللى فوق لا يشبه نصه اللى تحت! هذا يعنى أنه الكائن البشرى الوحيد العملاق الذى سيمسك بكوتشينة الوطن ويفنطها ويقطعها ويفرق بها! ترى هل سيلعب بنا القادم الجديد البصرة؟ أم شلّح؟ أم الكون كان؟ لا أظن أنه سيلعب بنا الولد يقش، لأن نظام المرحلة الانتقالية يكره شباب الثورة ويطاردهم بالاعتقالات والقتل ويفضل اللعب بالشايب. كما أن تلك المرأة لم تحدد لنا كيف سيلعب بنا؟ ومع من؟ أو ضد من؟ واضح أننا نحتاج إلى رؤيتها الكاملة فى حلقة جديدة تتحاور فيها مع جهابذة علوم السياسة لكى نعرف منها مزيدا من التفاصيل.
بصراحة لن نتقدم فى ركب الحضارة البشرية إلا إذا توقفنا عن تأييد المرشح الذى تفرضه علينا السماء. مرة باسم الرب ومرة باسم النجوم والأبراج. متى نبدأ فى اختيار الرؤساء الذين تفرضهم علينا برامجهم وقدرتهم على تنفيذها؟ الله يخرب بيوتهم. زهقت ومش طايق أكمل كتابة المقال بالفصحى. بصوا بقى بالعامية وعلى بلاطة كده ومن غير لف ولا دوران: الشعب مش صور فى كوتشينة. الشعب كله نصه الفوقانى مش زى نصه التحتانى، ونفسه حد يتعامل معاه زى البنى آدمين. يعنى بالمفتشر كده نبوءة الست العرافة ماشية علينا كلنا. يعنى إحنا ممكن يحكمنا واحد زينا. مش قصدى حمدين صباحى بالذات لاحسن حد يفتكرنى باعمل له دعاية. أنا قصدى فعلا أى واحد مننا. الشرط الوحيد اللى مافيش أى تنازل عنه إن يكون نصه الفوقانى هو اللى بيحكمنا.. مش نصه التحتانى!