أظن من الصعب علينا جميعًا كمجتمع مصرى أن نستمع إلى هذا المؤتمر الصحفى الهام، الذى خرج فيه رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بقنابل مدوية ضد الفساد الحكومى المستشرى فى البلد ونسكت.. وأظن من الصعب علينا أن نقف متفرجين أو مستمعين لتلك المهاترات التى تقول إن الرجل ينتمى إلى الإخوان المسلمين. وهل لو كان حقًا (وهو ينكر ذلك) من الإخوان المسلمين هل ذلك يعنى أن تترك تلك الاتهامات المدوية التى أكدها الرجل فى مؤتمره الصحفى دون تحقيق، وأيضًا تحقيق فورى تطمئن من خلاله الأمة المصرية كلها أن هناك فى هذا البلد من يطارد الفساد ولا يحميه، وإن لم يحدث ذلك فى هذا الوقت، علينا أن نعترف أمام أنفسنا وأمام العالم أننا أمة تعشق الفساد ونحميه بل أيضًا ندلله!
إذن ما أشار إليه المستشار جنينة فى المؤتمر الصحفى يدعونا، إن صح، إلى لطم الخدود وإحساسنا بالضياع واعترافنا أن الفساد أصبح فى هذا البلد شيئا لا يحتمل، ويجب علينا جميعًا الوقوف ضده بكل ما أوتينا من قوة حتى لا نجد أنفسنا فى يوم من الأيام فى ضياع رهيب، وبدلا من البحث عن مستقبل عظيم لبلدنا بعد ثورات عمالقة هزت العالم نجد أنفسنا فى زيل الأمم تحكمنا منظومة فساد تتحدانا جميعًا، بل أيضًا تخرج لسانها الطويل لنا، وهى تعلم جيدًا أننا غير قادرين وغير جادين فى إبطال هذه المنظومة الفاسدة.
عندما يتحدث المستشار جنينة عن فساد فى صلب الدولة المصرية، وفى مؤسساتها الهامة والكبيرة، وأيضًا الحساسة، ويؤكد أن تلك المؤسسات مارست فسادًا علنيًّا، وأضاعت على الدولة المئات من المليارات، هنا لا بد أن نقف، لأن الذى يتحدث أيًّا كان انتماءه الحزبى هو فى النهاية قاضٍ يعلم الحق والعدل، وثانيًا هو رئيس أكبر مؤسسة رقابية فى هذا البلد.. عندما يتحدث عن مؤسسات أمنية وقضائية اعتدت على مجرى النيل وردمت أجزاءً منه وأقامت مبانى خرسانية عليه، هذه مصيبة، ويقدر المخالفات هذه بمبلغ 18 مليار جنيه، فتكون المصيبة أكبر وأعظم عندما يتهم رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وهو رجل مستشار، أعضاء بنيابة أمن الدولة العليا والنيابة الإدارية ومعهم مسؤولون كبار سابقون، وأيضا حاليون بالاستيلاء على أراضٍ فى ما يسمى بالحزام الأخضر بأكتوبر.. استيلاؤهم على 35 ألف فدان مخالفين بذلك القانون مما أدى إلى ضياع 4 مليارات جنيه على الدولة معنى ذلك أننا أمام فساد رهيب من مؤسسات فى الدولة دورها الأساسى والمنوط بها أن تقف أمام الفساد وتلاحقه، وهى بذلك أصبحت جزءًا منه بل مشرفة عليه! عندما يعلن ويكشف المستشار جنينة أن اللجنة المختصة بفحص مستندات تلك المنطقة المسماة بالمنطقة الخضراء بأكتوبر يتم منعها بأمر من أعضاء النيابة (وهذه مأساة وفضيحة) ومن الاطلاع على ملفات الشخصيات متهمة فى هذا المجال يصل عددهم إلى 295 شخصًا ومحاولة التكتم على هذه الشخصيات هذا معناه أننا أمام مشهد مفزع لإدارة الفساد فى هذا البلد، وعندما يعلن الرجل أيضًا أن المسؤول بالجهاز والمختص بهذا الملف الشائك يلقى التهديد حتى يبتعد عن ذلك، هذا يعنى أننا أصبحنا نحكم بواسطة عصابة يجب القضاء عليها حتى ولو خرجنا بثورة ثالثة ورابعة.
وما معنى أن يتقدم جهاز المحاسبات بـ428 بلاغًا للنائب العام مملوءة بالمخالفات والانحرافات لأجهزة الدولة والنيابة ولا تبت إلا فى القليل النادر منها. لا بد أن نتساءل عن سر هذا التقاعس المريب، لا بد أن تخرج علينا النيابة العامة بتفسير واضح لذلك، ومن المسؤول عنه! ثم ما هذا الفساد غير العادى، الذى كشفه المستشار جنينة فى قطاع النقل البحرى وشركاته؟ وهل وصل الأمر إلى هذه الحدود غير المعقولة ومسبوقة فى عمليات الفساد داخل هذه القطاع؟!
ثم حديثه عن تلك الكمية الرهيبة من أعداد المستشارين المنتدبين من أجهزة الدولة، الذين يكلفون الدولة 500 مليون جنيه فى العام الواحد مع أن مجلس الدولة هو المختص الكامل بأعمالهم.
قنابل جنينة لا بد أن يحقق فيها، ويعلن على الرأى العام للأمة المصرية النتائج، وإذا كان الرجل يفترى على تلك الأجهزة حاكموه، وإذا كان يقول الحقيقة حاكموا الفاسدين حتى لا نكون أمة تسخر منها الأمم.