تحدّثنا، أمس، عن تأجيل الدراسة والشفافية من قبل الحكومة والمناهج والتعليم، وغيرها من الأمور.
المشكلة فى أمر آخر، أن كثيرًا من الناس لا يشعرون بأى تأثير سلبى، فهم ينظرون إلى التعليم على أنه كلشينكان (أى كلام يعنى)، هذه ليست نظرة غير المتعلمين، ولكنها نظرة المثقفين، أن المناهج الآن بكل حشوها الزائد وكلكعتها غير المبررة، وجودها زى عدمه، وأن طريقة التلقين والحفظ العقيمة، ونسيان الطالب ما درسه من مواد بعد خروجه من الامتحان، كأن لم يدرسها، بسبب الملخصات والدروس حتى فى الجامعة، بل إنهم ينظرون إلى خريجى الجامعات الآن على أنهم غير مثقفين، ولذلك لجأ القادرون إلى الذهاب إلى مدارس الإنترناشيونال والتعليم الأجنبى، لينال أولادهم تعليمًا حقيقيًّا بدل التعليم (كده وكده)، الغريب فى الأمر أن جامعة القاهرة نفسها عاملة تعليم ثلاثى الأبعاد تماشيًا مع عصر العولمة، ففى كلية التجارة جامعة القاهرة ثلاثة أنواع من الدراسة، تجارة بتاعة الغلابة بـ100 جنيه، وتجارة إنجليزى بسبعة آلاف جنيه، وتجارة معتمدة من جامعة بريطانية بـ20 ألف جنيه، هذا داخل جامعة القاهرة نفسها، ولن أتحدّث عن الصيدلة إكلينك بـ15 ألف جنيه، وغيرها من التعليم الموازى داخل جامعة القاهرة، حيث أصبحت جامعة القاهرة تنافس التعليم الخاص، المشكلة مرور عقدين من الزمن من الحديث عن أهمية التعليم وضرورة تطويره، وربما حدث تعديل فى المناهج فى غضون الأعوام القليلة الماضية، وأنا أقول تعديلًا لا تطويرًا، وصرفت عليه مئات الملايين، ولكنها أشبه بالخدع البصرية، وإعادة الكتشنة من جديد للأبواب، وتحريك المناهج صعودًا وهبوطًا داخل الصفوف الدراسية، دون هدف واضح إلا استنزاف أموال الدولة لأشخاص وهيئات تحت مسمى تطوير التعليم، وراجعوا هذه الأموال وكيف صُرفت، دون الدخول فى التفاصيل، لأنها مؤلمة مثل تنزيل مناهج المرحلة الثانوية للمرحلة الإعدادية، مثل الجدول الدورى فى الكيمياء والإحصاء لأولى إعدادى، بل وابتدائى أيضًا، مما رفع من نسبة التسرّب فى مصر، التى يجب محاكمة المسؤولين عليها إن كانت بحسن نيّة، وإعدامهم إذا كانت مؤامرة على التعليم فى مصر، ولن أنسى عندما أتى لى ابنى فى الصف الثالث الابتدائى بتمرين حساب من كتاب الوزارة، فعجزت عن حلّه، وأنا أدَّعى أنى فاهم جيّد للرياضيات، ونظر إلىّ نظرة امتعاض أو قل انتقاص وقال والدهشة تملؤه «إنت مش عارف تحلّه يا بابا»، فمن غيظى، عرضت هذا التمرين على توجيه الرياضيات فى إحدى الإدارات المتميزة فى هذا العلم، فعجز التوجيه عن بكرة أبيه فى حل هذا التمرين، وبعد أسبوع وصل أحدهم لحله (لاحظوا كلامى 3 ابتدائى)، المهم من فرط غيظى وعجزى، جلست أحلّل الفزورة وهى عبارة عن تتابع رقمى أو قل متسلسلة رقمية، ولكنى اكتشفت أنها مبنية على تسلسل مركب من عمليتين لا عملية واحدة من العمليات الرياضية، وأنا أتحدى أن يجتمع أمامى رؤساء قسم الرياضيات فى جامعات مصر، أن أضع أمامهم عدة متسلسلات رقمية مركبة وأن يستطيعوا حلّها، هل هذا هو تطوير التعليم، وسمعت وزير التعليم من يومين فى برنامج 25/30 مع الأستاذ إبراهيم عيسى، وتحدّث عن نجاح الوزارة باستخدام الطريقة القرائية الجديدة فى التعليم فى الوصول إلى تعليم جيّد وكفء للأطفال، ولم يذكر الوزير أن هذه الطريقة فى التعليم قادمة من أمريكا وتحت رعاية المركز الأمريكى للتنمية، بل ومدعومة أمريكيًّا، حتى القراءة جاية أمريكا تعلمها لنا، أنا لا أعترض، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى بها، ولكنها الحسرة على هذا التراجع، فأعتقد أن هذه كانت طريقة التعليم فى مصر فى بداية القرن الماضى، من أيام الكتاتيب، ولكنه التجاهل وعدم الإجادة والاهتراء فى كل شىء، لدرجة اعتراف الوزير نفسه فى البرنامج أن طلابًا فى الدبلوم كانوا لا يجيدون القراءة، لم يفكّر الوزير كيف صعد هؤلاء إلى تلك المرحلة التعليمية وهم لا يجيدون القراءة، إلا تراكم مريع من الاهتراء والتفسّخ فى العملية التعليمية، فى ظل مناهج تدَّعون أنها تتطور. القضية الثانية، لماذا لم يعلن صراحة، أن تعليم القراءة فى مصر تحت رعاية أمريكية، وأننا كنا عاجزين عن اكتشاف طريقة مناسبة فى التعليم؟ناهيك بالتدريب نفسه للمعلمين، تصرف عليه أمريكا، ليست أمريكا الدولة بالقطع، ولكنه المجتمع المدنى الأمريكى، أين حمرة الخجل يا وزارة التربية والتعليم؟!