لو قالوا أن يوم القيامة غدًا، سوف تتفرغ شعوب الأرض لمواجهة تلك اللحظة الحاسمة، بينما سوف يتفرغ المصريون للخروج بالقدر الكافِ من الإفيهات.
هذا ما يؤكده ما حدث على مدار يوم الإثنين الماضى، حيث تحولت الحياه على النت فى مصر إلى إفيه كبير يخص النيزك المرتقب، فبعد أن بدأت مع تباشير الصباح تصلنا أخبار تلك الصخرة العملاقة الضائعة فى الفضاء التى يبلغ حجمها ثلاثة أضعاف حجم ملعب كرة القدم والتى تتجه إلى كوكبنا الأرضى العزيز للإصطدام به فى غضون ساعات، بدأت مع تلك الأخبار المتناثرة معزوفة الإفيهات على كل شكل ولون، وهاتك يا تريقة على النيزك.
فبينما رأى البعض أنه «ياما دقت ع الراس نيازك» رأى البعض الآخر أنه «النيزك صابنى ورب العرش نجانى»، هذا فى حين بدأ البعض «هاشتاج» بعنوان «نيزك السلحدار».
وبينما قام البعض بتشيير صورة جرافيك لوجه المشير السيسى متركب على جسد أحد الأبطال الخارقين وهو يحمل الكوكب ويصد بأرجله الصخرة المندفعة تجاهه (زى الكوميكس بتاعة سوبرمان) مصحوبة بتعليق «إنتوا ما تعرفوش إنكو نور عنينا ولا إيه؟»، اكتفى البعض الآخر بتشيير صورة الموقع الذى يبث مسار النيزك فى الفضاء فى طريقه إلى الأرض بثًا مباشرًا مصحوبة بتعليق متهكم يسيطر على خلفيته النفسية صوت متخيل للكابتن مدحت شلبى: «أهو .. داخل علينا أهو.. أهو.. أهو.. جوووووون .. وجون وجون وجون».
وبينما قام بعض الأصدقاء بمناشدة ربنا بالسماح لهم بالإحتفاظ ببعض الكتب التى يحبونها معهم فى رحلتهم الأخيرة إلى السماء وأرفقوا بمناشدتهم تلك طلبًا بالسماح والمغفرة للعبد الفقير إلى الله «نيتشة»، قام البعض الآخر بالإستحلاف والتوعد للنيزك فى حالة اقترابه من الأرض: «ماشى يا نيزك .. دا انت حتتفشخ»، هذا فى حين رأى أصدقاء آخرين أنه «كل حاجة فى البلد دى لازم تنحرف عن مسارها.. حتى النيزك انحرف عن مساره».
و بينما رأى البعض أنه «لما النيزك يضرب ابقوا صحونى» رأى البعض الآخر أنه «أنا مستنى النيزك يضرب بقى عشان اعرف انام».
فى صباح اليوم التالى استيقظ الجميع من نومهم، جلسوا أمام كيبورداتهم، أعربوا عن ضيقهم وحزنهم واحباطهم من عدم ارتطام الكويكب أو النيزك أو الصخرة العملاقة بكوكبنا الأرضى، البعض رأى أنه فاته ذلك المشهد الجميل الخاص بارتطام الصخرة بينا، البعض تأفف من أنه مضطر للذهاب إلى العمل، البعض الآخر تأفف من أنه حيرجع يذاكر، إلا أن الجميع اتفقوا على أنه أهو يوم وعدى، بإفيهاته بأحداثه بتوكشوهاته بسلاطاته، المهم الآن هو هذا اليوم الجديد الذى نحن بصدده، يا ترى الإفيهات على إيه النهاردة؟
فليحدث ما يحدث، المهم هو الخروج مما يحدث بإفيه، المفترض طبعاً أن يخرج الناس مما يحدث بعبرة وعظة، إلا أننا كمصريون متفردون أنشأنا الحضارة وقت كان الكوكب يتخبط فى ظلمات جهله وهمجيته -أى نعم أنشأناها ثم كبرنا مخنا وأنتخنا وتركنا الآخرين يكملون ما قد بدأناه ويستكملون ما كنا قد أنشأناه، إلا أنه ينبغى على العالم أن يعترف لنا بفضلنا شوية من منطلق أننا نحن من بدأنا تلك الليلة من الحضارة التى تقطف البشرية الآن ثمارها على هيئة تكنولوجيا وابداع وحياه باتت أشبه بحياة الروبوتات- نخرج من الأحداث بإفيهات، مش بعِبَر ومواعظ.
وربما كان ذلك هو مكمن عبقريتنا الحقيقية، أننا تقريباً الدولة الأقدم فى ذلك العالم التى مرت بكل أنواع الكوارث الطبيعية والبشرية والتى تعرضت لكافة أشكال وألوان وأنواع وأطياف الإحتلال، إحتلالات خارجية واحتلالات داخلية، إحتلالات خارجية من دول كثيرة وقوى عدة، بعضها لا يزال باقيًا فى حين اندثر بعضها الآخر (واحنا -اللى همه كانوا مُحتلِّينَّا أصلاً- لسه ما اندثرناش) واحتلالات داخلية من قوى فساد واستبداد وإقطاع واستنطاع وجماعات همجية وإرهابية، وكله فى النهاية بيتكل بينما يبقى دومًا الشعب المصرى بلغته بعاداته بتركيبته العجائبية الغرائبية غير المفهومة، يبقى دومًا الشعب المصرى بقدرته الغريبة على الخروج من أى شيء يخص أى حاجة فى حياته البائسة بإفيه، إنها عبقرية البقاء على قيد الإفيه.