فنحن هنا نكون قد حققنا الغاية من خلقنا، ونحن لم نحقق الغاية من خلقنا إلا بشيئين لا ثالث لهما. (العلم والدين) العلم لكى نتغلب على مصاعب الحياة والدين من أجل أن نتغلّب على مصاعب النفس.
أليست النفس أمارة بالسوء كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى. ننسى جميعًا أن الإسلام لم يرسله الله من خلال أشرف وأعظم خلقه من أجل العرب فقط، وإنما هو دين عام للناس جميعًا، الكل له حق فيه المؤمن له والذى لم يؤمن به! والذى لم يدخل فى الإسلام له حق فى أن يرى الإسلام الحق، الإسلام الذى هبط على الرسول الأعظم. وهو، أى الذى لم يؤمن بالإسلام، قرأ القرآن ويعلم السنة، لكنه لم يرَ الضلع الثالث من الإسلام. والضلع الثالث المقصود به هو هؤلاء الذين آمنوا به، حيث مطلوب منهم أن يكونوا من أهم الأمم وأرقى الشعوب وأكثرهم تقدمًا علميًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، فإن كانوا كذلك لاقتدى بهم مَن لم يؤمن، وإن لم يؤمن فأصبح من دون حجة فى عدم. الإيمان. أى هو يريد أن يرى نموذج يطبق الإسلام كما ينبغى.. وأهم تطبيق للإسلام العملى إسلام العمل والعلم والتقدم والتحضر، إسلام البحث والتنقيب فى الأرض والسماء، أما ما يحدث فى مصر والدول العربية يعد أكبر وأخطر عائق يقف أمام الإسلام، لأن الناس المنوط بها أن تكون فى أول الطابور الحياتى خارج الطابور، ورغم هذا لا تكف عن الإنجاب ليل نهار. وكأنهم يريدون أن يزيدوا أعداد المتخلفين حياتيًّا.. فالمعدم والفقير والجاهل والذى لا يعمل أكثر إنجابًا ورميًا فى الشوارع! إن المسلم مطلوب منه أن يقدّم برهانًا عمليًّا على أن الإسلام باقٍ إلى أن تقوم الساعة، وهذا لن يكون إلا بالعلم، لأن العلم هو الذى يحرّك القطار إلى الأمام. ولما يتحرّك القطار يحمل معه كل شىء من عادات وتقاليد وأناس تحب أن تعمل وإن كانت القيامة غدًا كما علّمنا وفهّمنا رسولنا الكريم (إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِى يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا)، ونحن لو فهمنا وعملنا بهذا الحديث، لكنا من الدول المتقدمة التى ليس بها أمى واحد أو جاهل.. أو عاطل أو غبى أو أهطل. ولو كنا كذلك من هذا النموذج الذى يدعو إليه الإسلام فى كل آية شريفة أو فى أى حديث كريم، لو كنّا قدّمنا ما هو مطلوب منا تجاه ديننا الحنيف، أى نحمل هذا الدين ونعمل به، لتقدّمنا علميًّا وحياتيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا.. وقبل أن تترك تلك الفقرة لا بد أن أعيد القول وأوضح أن الدين الإسلامى دين عام للناس جميعًا فى جميع أرجاء المعمورة، أما الوطن فهو خاص بفئة معينة من البشر تعيش فى حيز ما من الأرض وتجمعها أشياء، لكن ما شغل المسلمون على مر تاريخهم هو نوع الحكم، وسال دم لا يُقدّر ولا يحصى فى سبيل الإجابة عن هذا السؤال. وما حدث فى الفتنة الكبرى يؤكد لنا ويوضح أن الإسلام لم يضع نظامًا للحكم وإنما ترك تلك الأمور للمسلمين، لأنه، أى الإسلام، علّم المسلمين كيف يفكرون ويخططون لحياتهم ولمستقبلهم، وقد فهم المسلمون غير العرب تلك الحكمة فعملوا وابتكروا فتقدّموا فى جميع مجالات الحياة.. وكان ذلك لأن الإسلام مساعد لهم فتقدّموا بالإسلام وتقدّم بهم الإسلام بعكس المسلمين العرب هؤلاء الذين تتحكم فيهم حكاية اسمها الخلافة. إن الموضوع السياسى الذى يتم شغل عقل الفرد المسلم به.. استغرق عمر تلك الأمة، حيث أضاع المجتمع العربى المسلم عمره بحثًا عن حاكم بصبغة دينية.. أى يحمل صفة دينية.. وإن كان هذا الحاكم بلا مقومات عقلية وسياسية وثقافية لتحمّل تلك المسؤولية.. وما زالت للبريد بقية.