مصر بلد زى الجد... نعم بلد زى الجد... ليس بلدًا بجد، لكنها زى الجد. كلما مرت الأيام تأكدت من هذه المقولة. نحن بلد يملك من القوانين والقرارات الكثير والكثير، التى تخرج من جهات تشريعية وتنفيذية كثيرة حتى نتحكم فى السلوك الإنسانى المصرى ليقع تحت طائلة القانون.
وإذا تصفحت جزءًا بسيطًا من هذه القوانين والقرارات ستكتشف أننا لو طبقنا جزءًا قليلًا من الجزء البسيط لأصبح بلدنا بلدًا آخر وتسابقنا مع أعتى الدول المحترمة فى العالم وتبوأنا مكانةً تليق بحجم تلك الدولة العظيمة وشعبها الكبير! لكن كالعادة لا أحد يطبق القانون، وإذا تم تطبيقه يتم على البعض، ولا يتم على البعض الآخر وهكذا مصر، وهكذا حال المصريين، تعالوا بنا نتفحص القرار الأخير، الذى أصدره مجلس الوزراء المصرى تجاه الدراجات البخارية والتوك توك. القرار يقول إنه يتم منع استيراد الدراجات البخارية كاملة الصنع والتوك توك لمدة عام بالإضافة إلى منع استيراد المكونات الإنتاجية لهذه المركبات لثلاثة أشهر للدراسة، ويقول القرار إن على وزارة الداخلية أن تضع ضوابط يتم تطبيقها عند شراء أو استصدار تراخيص للدراجات النارية الجديدة مع منح مهلة سماح لمدة أسبوعين لمالكى التوك توك والدراجات النارية لتوفيق أوضاعهم! بالطبع الكلام جميل ومعسول، ويراد من خلاله إعادة الانضباط للشارع المصرى ومحاربة الإرهاب بعد تلك العمليات الإرهابية الكثيرة التى شهدتها الساحة المصرية، وكانت الدراجات النارية بطلة هذه العمليات باستخدامها من قبل الإرهابيين ضد الشرطة.
(برضة جميل)، لكن هل يمكن لنا الآن فى هذه اللحظة التاريخية العظيمة التى خرج فيها مجلس الوزراء بتلك القرارات النارية أن نتساءل: هل يمكن لنا أن نسأل عن القرارات الوزارية الخاصة بالدراجات النارية، التى تم إصدارها من الحكومات المتعاقبة من قبل ذلك؟ أنا شخصيًّا على يقين كامل بأن هناك ترسانة قوانين وقرارات منظمة للتراخيص الخاصة بالدراجات النارية فى مصر، ومع ذلك ماذا حققت هذه القوانين، وما أثرها فى الشارع، ولماذا لم تفعل، ولماذا تركنا الأمور تصل إلى هذا الحد من الإهمال الحكومى فى الرقابة الفعلية على هذه الدراجات حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من استخدام فادح لتلك الدراجات فى العمليات الإرهابية؟ هل القرارات الجديدة التى تصدر الآن هى التى سوف تحل المشكلة والقرارات السابقة كانت عاجزة عن ذلك؟ بالطبع لا المسألة أكبر من ذلك. المسألة هى الإهمال والانتظار إلى أن تصل الأمور إلى الكارثة ثم اللطم على الخدود ثم القيام بإصدار القرارات الجديدة باعتبارات فارغة لإيهام الرأى العام أن هناك وقفة مع أنه لا توجد وقفة ولا يحزنون.
كان لا بد لنا أن ننتظر إلى أن تقطف أمام العالم كله أرواح الرجال جهارًا نهارًا حتى نتخذ موقفًا للحد من نزيف الدم فى الشوارع بواسطة دراجات الإرهابيين؟! ثم تعالوا بنا إلى قضية التوك توك، وهى قضية تخرج لسانها لنا جميعا وشاهدة على عمق الإهمال والفساد الحكومى فى مصر.. من أعوام كثيرة تصل إلى عشرة أيام اقتحم علينا التوك توك حياتنا فى كل مكان فى مصر بداية بالإمكان الصغيرة ثم المتوسطة، والآن هو على مشارف الأماكن الراقية، ولطالما كان التوك توك لا يؤرق الأماكن الراقية والغنية فى مصر كانت الحكومة تتركه سداحًا مداحًا يعلن كل لحظة أن أكبر من أى حكومة وأى وزير فى مصر.. السؤال الغريب والعجيب لظاهرة التوك توك هو أن التوك توك لم يخرج له قانون للترخيص مع بعض المحاولات من بعض المحافظين لترخيصه، وهى محاولات فاشلة لن تصل إلى حد نصف أربع الكمال.. ومع ذلك ظل التوك توك لا أكثر من عشر سنوات يتم استيراده جهارًا نهارًا فى مصر قولوا لى عن بلد واحد فى العالم ابتداءً من أمريكا وصولًا إلى مجاهل إفريقيا لا يملك قانونًا لترخيص وسيلة ركاب ويسمح باستيرادها بمثل هذا الكم من الرهيب من الأعداد؟ مستوردو التوك توك فى مصر أصبحوا يمتلكون المليارات من وراء استيراده. وقد امتدت إلى الحكومات المتعاقبة ليغرقوا مصر وشوارع مصر بالتوك توك وفجأة ودون مقدمات اكتشفت الحكومة الحالية برئاسة الببلاوى أنه لا بد من ترخيص التوك توك (حلوة الحكاية دى) وهل فعلًا الحكومة قادرة على ترخيص التوك توك الذى على الأقل ستجلب مئات الملايين من الجنيهات إلى خزائنها أظن لا وألف لا.. لن تفلح الحكومة فى ذلك، وستظل الدراجات النارية والتوك توك موجودة فى الشارع المصرى جهارًا نهارًا دون ترخيص ودون أرقام معدنية. وستظل تخرج لسانها لنا جميعًا.. إنتو عارفين ليه؟ عشان عش الفساد ما زال قائمًا.