التعذيب جريمة بشعة تمثل انتهاكا لحرمة الجسد الإنسانى، تكسر الإنسان وتنتهك كرامته وآدميته، التعذيب وانتهاك حرمة الجسد جريمة بكل المقاييس ولا تسقط بالتقادم، أى بمرور الوقت، ونظم الحكم التى تلجأ إلى التعذيب عادة ما تفعل ذلك لكسر مواطنيها وفرض السيطرة عليهم، عادة ما تمارس ذلك فى مواجهة كل من ينشد الحرية ويطلب احترام حقوق الإنسان. هناك دول تمارس التعذيب بحق بشر لا ينتمون إليها، يتبعون دولا أخرى، لا يحملون جنسية من يقوم بتعذيبهم، والمثال الحى على ذلك تعذيب الولايات المتحدة للمعتقلين العراقيين بعد احتلال بلدهم عام ٢٠٠٣، وانتهاك آدميتهم على نحو غير مسبوق كما حدث فى سجن «أبو غريب»، وأيضا التعذيب الذى مارسته واشنطن بحق المعتقلين من جنسيات مختلفة وضعتهم فى سجن «جونتانامو» بكوبا.
باختصار التعذيب ظاهرة قديمة، تمارسها أنظمة الحكم غير الديمقراطية بحق مواطنيها، وتمارسها دول أخرى من ديمقراطية وغير ديمقراطية بحق غير مواطنيها، مارستها واشنطن بحق المعتقلين العراقيين والأفغان وغيرهم، ومارستها دول غير ديمقراطية نيابة عن دول ديمقراطية كالولايات المتحدة وبريطانيا، وتمارسها أيضا نظم حكم غير ديمقراطية بحق مواطنيها ومواطنى دول أخرى أقل منها وأضعف من حيث مكونات القدرة الشاملة.
والتعذيب أيضا قد يكون ورقة تستخدمها الدول الكبرى فى الضغط على الدول الصغيرة والمتوسطة، عندما يقع الخلاف بينهما حول قضايا سياسية، فقد يمارس نظام حكم غير ديمقراطى التعذيب خدمة لدولة ديمقراطية أو بطلب منها، ومن تتستر عليه بل وتوفر له الحماية من المحاسبة، وعندما يقع الخلاف، ترفع الدولة الديمقراطية حمايتها عن نظام الحكم غير الديمقراطى وتلوح له بالمحاسبة على ما ارتكب من جرائم تعذيب.
مارست واشنطن كل أنواع التعذيب والقتل بحق كل من وجهت لهم الاتهامات بالانضمام إلى تنظيمات إرهابية ومارست أبشع أنواع التعذيب والقتل، وكانت تبادر بإدانة كل جريمة ترتكب من قبل هذه الجماعات الإرهابية، وفى مراحل تالية وجدت واشنطن فى العلاقة مع جماعة الإخوان ما يحقق مصالحها وينفذ مشروعها الخاص، بل تعدت ذلك إلى غض الطرف عن علاقة الجماعة بالتنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم القاعدة، غضت واشنطن الطرف عن جرائم التنظيمات الإرهابية بحق مصر والمصريين، لم تقم بإدانة جرائم هذه التنظيمات ضد جنود الشرطة والجيش ولا جرائمها بحق الكنائس والأقباط، وفى الوقت الذى أعلنت فيه الحكومة المصرية جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، قالت واشنطن إن سفارتها بالقاهرة تلتقى مع عناصر الجماعة بشكل منتظم، فواشنطن لا ترى الجماعة تنظيما إرهابيا.
إذن هناك علاقة وظيفة بين واشنطن وجماعات العنف والإرهاب، وقد سبق ونسجت مثل هذه العلاقة فى نهاية سبعينيات القرن الماضى بعد الغزو السوفييتى لأفغانستان، فتعاونت واشنطن مع المخابرات المصرية والسعودية والباكستانية فظهرت جماعة المجاهدين الأفغان التى شكلت نواة تنظيم القاعدة فى ما بعد، واليوم يتكرر المشهد والهدف صياغة الشرق الأوسط الجديد على حساب الكيانات الكبيرة والمتوسطة فى المنطقة، وكادت الصفقة تنجح بوصول الجماعة إلى الحكم فى مصر وتونس، وليبيا واليمن ثم اقترابها من الحكم فى العراق وسوريا، ولكن خروج المصريين فى الثلاثين من يونيو أطاح بحكم الجماعة وأوقف زحفها فى البلدان العربية الأخرى، باختصار أطاح الجيش المصرى بأحلام الأمريكان فى تفتيت المنطقة وإعادة تشكيلها من جديد، وسار على طريق استعادة تماسك دول المنطقة فى مواجهة هذه المخططات. هنا بدأ مخطط واشنطن للانتقام من مصر وشعبها، وكانت البداية بمحاولة تشويه ثورة الثلاثين من يونيو، والتأكيد أن ما جرى فى الثالث من يوليو هو انقلاب عسكرى، وأن ما يجرى فى مصر هو إعادة إنتاج النظام القمعى القديم، وفى هذا السياق خرجت علينا تقارير منظمات دولية تتحدث عن تعذيب فى السجون المصرية، تلقفتها حركات ومنظمات داخل البلاد وسارت بوعى أو دون فى سياق المخطط الأمريكى الرامى إلى تشويه ثورة الثلاثين من يونيو، فبدؤوا يتحدثون عن التعذيب دون تقديم سند أو دليل، كانوا صدى صوت لمنظمات أمريكية ليس إلا وشاركوا فى حملة تشويه الجيش والشرطة، وإذا كانت هناك وقائع تعذيب فليتقدموا، وما أكثر المنظمات الحقوقية المصرية التى يمكنها تبنى هذه القضايا، وسوف نساندهم وندعمهم بشتى الطرق، المهم إدراك أبعاد المخطط، وبالتالى ينبغى التعامل مع الحقائق والوقائع من منطلق مصرى خالص، دفاعا عن حقوق المواطن المصرى ودعما لحماية وصيانة حقوق الإنسان فى مصر لا خدمة لمخططات أمريكية ترمى إلى هدم الدولة المصرية.