المدهش أننا نستهلك الوقت.. انتظارا لشىء قد يسقط من السماء.
نستهلك فى وقت لا بد أن نفكر فيه كيف سنعبر بهذه الدولة الميتة الأيام القادمة؟
فى الاستهلاك تشغلنا استعراضات الشراشيح وزفة محترفى التطبيل والنفاق عن التفكير والفهم والبحث عن طريق لعبور مرحلة ما بعد الثورات.
الاستهلاك سيد الوقت الحالى/ ولا فرق هنا بين فتاوى وتحليلات وبرامج وتنظيرات ومؤامرات ومواقف.. كلهم يقفون فى نفق الوقت المستقطَع انتظارا لما لم يفكر فيه أحد.
هل تتخيل أن السيسى مثلا سيبنى سفينة نوح وينقذ معه نخبته المختارة.. أم أن الطوفان عندما سيأتى سيختار مَن يؤيد المشير ويترك مَن لم يعلن تأييده..؟
لا أحد لديه فكرة عن المستقبل/ ماذا ستفعل مثلا بإعادتك حفلات التعذيب؟/ هل تتخيل أن هذا سيحقق لك استقرارا؟ سيدفع الجميع إلى الأذعان؟ أم أنه يبنى أسوارا يصبح بعدها الإصلاح أو الهيكلة مثل ماكيت يلعب به الأطفال..؟
هناك استهلاك لكل شىء وأى شىء، لأن الغريزة وحدها تعمل فى غياب العقل/ والشهوة تنطلق بلا فرامل والأنانية تعود كعنصر البقاء فى لحظة الجميع يشعر فيها بالخطر ويندفع إلى البحث عن نجاته.. حتى لو قتل الآخرين.
تتكلم عن التعذيب وتفضحه وبدلا من أن يظهر عاقل أو فاهم يوقف الجنون السائد/ ويحقق ويحاكم/ تجدهم من خلف الكواليس يحركون دميات الشتيمة ونرى وصلات الشراشيح يوميا..
هل هذا سيلغى تأثير التعذيب/ سيمحو آثاره؟ هل ستُسكِتون صوت الضحايا بغلوشة الشراشيح؟
إذن فلماذا تعيدون أساليب لم تعد فعَّالة؟ لماذا تستدعون نجوم الشرشحة وناشرى النفايات وتستخدمون كل أدوات الأمن والعدالة لكى لا نشعر بالأمن والعدالة؟
.. هل تتآمرون علينا؟
أم أن هذا هو آخركم؟
كيف يمكن أن يصدر بيان بنفى التعذيب دون تحقيق؟ ثم يظهر شَتَّامكم العجوز المتهالك ليلًا ليوجّه سيل الشتائم والعمالة.. وفى النهاية لن يمحو كل ذلك الجريمة.. كما أنه -وهذا هو الأهم- سيتضخم مجرمو التعذيب بحيث لا يمكن السيطرة عليهم.. وهنا لا مكان للعقل ولا للاستقرار ولا لكل البضاعة التى تروّجونها.
لماذا إذن تسيرون على نفس الطريق كأنكم مُغيَّبون أو لديكم حسّ انتحارى أو ليس لديكم أكثر مما كان لدى مبارك الراقد كمومياء تحولت إلى مزار سياحى..؟
كيف تفكرون فى المستقبل؟
هل ينقذكم حكماء الدولة القديمة وكهنتها؟
تلك الدولة التى سارت إلى مصيرها المباركى كما لو كان قدرا/ الدولة الفاشلة التى تصالح قطاعات يائسة مع فشلها.. وتصورت أنها الحياة السعيدة..
هل ستحكمون بأمنكم الفاشل إلا فى ممارسة الوحشية وانتهاك القوانين؟
هل ستحكمون بتسول المعونات؟
هل ستسلمون دولة إلى رئيس يحمل كل المهام ويفشل ليقع فى أَسْركم، فالعصابة ملجأ الفاشلين..؟
مَن أنتم؟
لصالح مَن تستهلكون الوقت؟ هل لنرضى بالأمر الواقع؟ أو نستسلم لفشلكم باعتباره قدرنا؟
ماذا لديكم غير التعلق بسفينة السيسى؟ ماذا لدى السيسى نفسه؟
لا أسأل عن البرنامج كما يفعل الطيبون منا.. لكن عن مشروعه السياسى.. فالحكم ليس بطولة ولا استعراضا شعبيا.. ولسنا فى زمن عبد الناصر ولا بونابرت.. ولا فى خزعبلات الجبهة الوطنية التى يشكلها الحاكم فتتحول بعد قليل إلى عصابة حكم لا سياسة فيها..
ماذا لديكم غير التعذيب والشرشحة؟
أسأل فعلا.. لأن المفروض أنه فى لحظة خطر مثل التى نعيشها أن نفهم ماذا يريد كل طرف/ لأنه لم يعد متاحا أن نهرب فى سفينة إنقاذ مع نوح/ ولا أن نقتل كل الذين ليسوا من فرقتنا.../ ولا أن نحكم بالعصا والجزرة/ أو نبنى جمهورية خوفٍ، الأمانُ فيها للمستسلم..
كل هذه أفكار فاشلة ليس فقط فى تنفيذها بل فى رفضها بالطرق التقليدية..
هذه لحظة فاصلة.. لا مجال فيها لأطماع الفاشلين/ ولا وحشية المنتقم/ أو عنتريات الشراشيح.. كل هذه أدوات دولة فاشلة/ أو ميتة فعلا..
نريد إدراكا للحظة الراهنة.. لن يمنع أحد التغيير/ وكل منع أو محاولة توقيف للتغيير هو وقت مستقطَع/ استهلاك زمنى ينتظر بعده الكارثة..
نريد إدراكا بأن هذا بلد وليس كعكة سنتقاسمها.. وأنه لن ينجو إلا بعد إدراك أنه لنا جميعا.. لا فرقة ناجية ولا عصابة قاتلة... وأن الديناصورات انقرضت.. رغم ضخامتها أو بسبب ضخامتها..
إذا لم يدرك عاقل أو منتبه هذه اللحظة ويعرف أن مصلحته ليست فى شهوته أو مطامعه أو فى تمكين جبروته.. فإن «الأيام السودااااا» لن تنتهى قريبًا.