تحدثنا أول من أمس عن السلفيين وحظوظهم الوفيرة فى الانتخابات القادمة وشرحنا جزءا من مبررات تلك الفرص، ومن المبررات أيضًا، أن القوى الليبرالية وكذلك التيارات القومية واليسارية منقسمة إلى حد كبير، فمن المتوقع أن تكون الدائرة الانتخابية عليها مرشح يمثل تيار الإسلام السياسى وعدد من المرشحين يمثلون التيارات الأخرى، فتكون حظوظه فى دخول الإعادة أفضل، ثم تقوم النفسنة بدورها فى الإعادة، فلا تذهب الكتل اليسارية للمرشح الليبرالى والعكس، مما يجعل فرص التيار الإسلامى قوية، ولذلك فنحن أمام مشكلة من وجهة نظرى مع التيار السلفى، مشكلة التيار السلفى أنه وُجد فى هذا الحِلف بعد 30 يونيو من منطلق المواءمة السياسية، لا القناعة الفقهية، بمعنى فقه الضرورة، لأن أحد مشكلات التيار السلفى ما يسمى «الأحادية الفقهية»، بمعنى أنه يأخذ عن مشايخه الفتوى الفقهية وتبريراتها الشرعية، فتكون هى الرأى الأوحد ولا رأى غيره، بحيث يعتبِر رأيَه هو الصواب ولا يحتمِل الخطأ ورأى الآخر خطأ ولا يحتمل الصواب، مع ميل دائم إلى الرأى الأكثر تشددًا، ظنًّا منه أن فى هذا حماية للدين، فمثلًا النقاب فرض، الموسيقى حرام، التنمص حرام (تهذيب الحواجب للمرأة)، الديمقراطية كفر، وهذا ما قاله الشيخ برهامى نفسه، حتى إن أحد الشيوخ السلفيين باليمن ويسمَّى الشيخ الأهدل، سأله تلامذتُه: كيف تقول يا مولانا إن الديمقراطية كفر وتسمحون لحزب الرشاد (السلفى) بدخول الانتخابات البرلمانية؟فكان رده أن العباس بن عبد المطلب كان مسلمًا وكان يُخفِى إسلامه ليوجد فى مكة وينقل خبر الكفار إلى رسول الله! كأنه عميل لدولة الإسلام فى دولة الكفر، وكذلك حزب «الرشاد»، كأنهم عملاء للإسلام فى الدولة العلمانية الكافرة التى لا تطبق شرع الله!
وتقابلت مع أحد القيادات الوسطى فى حزب النور فى ردهات معرض الكتاب وتجاذبنا أطراف الحديث، وجاء الكلام عن الفتح الإسلامى، فاستوقفنى اللفظ وسألته: هل أنت ترى أن شرعية الفتح ما زالت موجودة، بمعنى ضم الدول المجاورة سياسيًّا وعسكريًّا إلى الدولة المركزية، لإنشاء ما يسمى الخلافة؟ فكانت إجابته: إنه الدين يا مولانا! رغم أنى لست مولاهم ولا حاجة ولا مولى لأى حد، أنا راجل غلبان، ولكن هذا ديدنهم فى الحديث، وأنا أتذكر أن الجماعة الإسلامية والسلفيين، كانوا لعقدين من الزمن يحرّمون مهنة المحاماة، لأن المحامى يتعامل بقوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان، واستمر هذا لعقدين من الزمن، حتى بدأ أعضاؤهم يدخلون السجون بكثافة، ويتكلف هذا أعباء محاماة كبيرة، فأباحوا العمل بالمحاماة من منطلق فقه الضرورة.
ومشكلة فقه الضرورة، أن الفرد أو المجموع يرى أنه فى مرحلة الضعف، ولذلك فلا بد أن يتنازل من منطلق تنازلات الرسول عليه الصلاة والسلام فى المرحلة المدنية، مرحلة الدعوة السرية، ولكن عندما تواتى الظروف، ونصل لمرحلة القوة، فيجب إنشاء الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، وتطبيق شرع الله، متأثرين بشكل كبير بالنظام السعودى، رغم أنى أرى أن ما تفعله السعودية ليس إلا اجتهادا سياسيا ولا يرقى إلى مستوى الاجتهاد الفقهى حتى، لأن الحسبة لم تظهر إلا بعد الرسول عليه الصلاة والسلام وكانت خاصة بالأسواق فقط، عندما بدأ التجار يستغلون البسطاء ويدلّسون عليهم ويرفعون الأسعار، فتدخلت الدولة بسلطتها السياسية لحماية الناس (أشبه بجمعيات حماية المستهلك الموجودة الآن) رغم أن السعودية لديها عشرات الملايين من السياحة الدينية (الحج والعمرة) التى يحق لها القصر والجمع فى الصلاة، فكيف تجبر رجلا يجمع بين صلاة الظهر والعصر على أن يصليها منفصلة، مع العلم أن إحدى التهم التى وُجِّهت إلى الخليفة عثمان بن عفان فى وقت الثورة ضده أنه لم يصلِّ قصرًا واعتبروها مزايدة على رسول الله، رغم أن عثمان عندما لم يقصر كان فى بلدة هى وطن والدته وكان يعتبرها موطنه ولا يحق له القصر؟!
موضوع السلفيين كبير، لن تكفيه مقالتان ولكننا سنتابع الحديث مع تطور الأحداث... وحفظ الله مصر وولَّى عليها مَن يصلح.