اعترف الموسيقار اليابانى ماموروسامو بأنه كان يستعين بأستاذ أكاديمى فى الموسيقى يساعده على تأليف سيمفونياته مقابل أجر، ولا يشير أبدًا إلى اسمه. كان الموسيقار الحرامى قد فقد حاسة السمع، ولهذا يطلقون عليه بتهوفن اليابان الذى فقد أيضا فى سنواته الأخيرة حاسة السمع، إلا أن البَوْن شاسع بالطبع حيث لم يسبق لبتهوفن الألمانى «الأصلى» أن سرق من أحد.
القضية ليست جديدة ولكننا بين الحين والآخر نتابع بعض وقائعها، إنها جريمة بالطبع لا تُغتفَر اسمها التأليف من الباطن، الطرفان متعادلان فى الإدانة مَن يكتب أو يلحِّن مقابل أجر ومن ينسب إلى نفسه «جينات» فنية حراما، وسوف تكتشف أن البعض فعلها فى بداية المشوار، كنت قد قرأت مجددًا مذكرات نجيب الريحانى التى أصدرتها «دار الهلال» بعد رحيله عام 49 بعدة سنوات وراجعها قبل النشر رفيق مشواره بديع خيرى توأمه الفنى والروحى، ذكر الريحانى كيف التقى مع بديع لأول مرة حيث إن نجيب كان قد اختلف مع أمين صدقى كاتبه الأثير قبل بديع فلجأ إلى أحد أفراد الفرقة، وهو فى الحقيقة لم يكن يمتلك موهبة، بل كان يستعين من الباطن بكاتب ناشئ، وهمس أحدهم فى أذن الريحانى باسم بديع خيرى وعلى الفور التقاه نجيب، وكان يصفه بأنه كان خجولًا وأذاب نجيب هذا الخجل وكوَّنا معًا واحدًا من أهم إن لم يكن أهم ثنائى عرفته الدراما المصرية سينمائيًّا ومسرحيًّا، الغريب أن فى التسجيل التليفزيونى النادر وأظنه الوحيد لبديع خيرى مع مذيعة التليفزيون الراحلة سلوى حجازى، سألته: كيف التقى مع الريحانى، فلم يأتِ أبدًا على ذكْر تلك الواقعة، وقال إن الريحانى سمع باسمه ككاتب موهوب يعرض على مسرح للهواة فذهب إليه وبدأت الرحلة ولم يجرؤ على الاعتراف بارتكاب تلك الجريمة.
الأمر أيضا لا يخلو من بعض الشائعات التى يروّجها البعض من أجل تحقيق شهرة وأحيانا من أجل ابتزاز كاتب أو ملحن. الموسيقار محمد عبد الوهاب كثيرا ما واجه هذه الاتهامات، بل كان الملحن رؤوف ذهنى وهو اسم لم يحقق شهرة ولكن لديه فى الحقيقة ألحان ناجحة مثل «سنتين وأنا أحايل فيك» لليلى مراد، كثيرا ما أكد ذهنى فى حواراته أنه لحّن لعبد الوهاب الكثير مثل أغنية «فكَّرونى» لأم كلثوم، ولم يجرؤ عبد الوهاب على إقامة دعوى قضائية بل حاول استرضاءه حتى يصمت. لم يسلم وليم شكسبير من هذا الاتهام وتم تحليل مفرداته الإبداعية قبل 20 عاما عن طريق الكمبيوتر الذى أثبت أن كل أعمال شكسبير هى إبداع خالص لشكسبير.
قبل أكثر من ستين عامًا كان هذا هو القانون السائد فى الدراما السينمائية، مثلًا الكاتب الكبير بهجت قمر والد الشاعر والكاتب الموهوب أيمن بهجت قمر، كان يمارسها فى بداية مشواره والغريب أنه ظل حتى رحيله يفعلها، كان بهجت قد صار اسمًا كبيرًا فى دنيا الدراما ولكن بعض المخرجين من أصدقائه كانوا يلجؤون إليه لكى يصلح السيناريو وخصوصًا الحوار وكثيرًا ما كان يضيف مشاهد رئيسية ليحمل الفيلم جينات «قمرية»، بين كل ذلك حالة أظنها يتيمة، فيلم «شباب امرأة» الذى كنا ونجيب محفوظ على قيد الحياة نذكر «شباب امرأة» من بين الأعمال التى شارك فى صياغتها سينمائيا مع المخرج الذى علَّمه كتابة السيناريو صلاح أبو سيف، ثم اكتشفنا أن «التترات» على الشاشة تخلو من اسم محفوظ والفيلم قصة أمين يوسف غراب الذى شارك أبو سيف فى كتابة السيناريو، بينما الحوار للسيد بدير، وعندما سألت المخرج الكبير الراحل توفيق صالح «آخر عنقود الحرافيش» عن السبب؟ أجابنى بأنه يعتقد أن نجيب محفوظ شارك فى كتابة السيناريو ولكنه بسبب وجود أمين غراب لم يشأ أن يضع اسمه حتى لا يثير غضبتا محتملا لغراب الذى كان يشعر وقتها فى منتصف الخمسينيات بأن مكانته الأدبية تتجاوز محفوظ.
الموسيقار الكبير بليغ حمدى فى سنوات الغربة خارج مصر فى نهاية الثمانينيات وأمام حاجته الشديدة إلى المال، تنازل عن اسمه كشاعر واكتفى فقط بأن تُنسب الأغانى إليه ملحنًا ونسبها إلى اسم شاعر خليجى رغم أنه لم يكتب شطرة شعرية واحدة طوال حياته، لا يزال هذا الشاعر المزيف يستعين بآخرين ولم يستيقظ ضميره بعد ويعترف، مثل بتهوفن موسيقار اليابان الحرامى!