فى 25 يناير الماضى حدثت أحداث مرافِقة لاحتفالات التحرير، عند «القضاء العالى» و«طلعت حرب»، كان الإخوان المسلمون من ناحية، و«الاشتراكيين الثوريين» و«6 أبريل» من ناحية أخرى. فى جانب الإخوان كانت هناك خسائر بشرية تجاوزت الخمسين، وفى الجانب الآخر أسفرت عن قتل «سيد وزة»، والقبض على عدد من الشباب منهم خالد السيد وناجى كامل.
من المؤكد أن هذا أزعج نسبة من الشباب (لا نملك تقديرا لقوتهم)، ولكن أيضًا دافع عنهم وتكلم باسمهم الدكتور عبد الحليم قنديل والدكتور عمار على حسن وآخرون وأعربوا عن انزعاجهم لهذا الأمر، وأكدوا وقتها أن هؤلاء لم يرتكبوا عنفًا كما يفعل الإخوان، فكيف نعامِل الكل بطريقة واحدة -على حد تعبيرهم. ومن الأمور الغريبة أنى وجدت رسالة لهدى زوجة خالد السيد عن تجربتها مع السجن فى زيارة زوجها، تحدثت فيها عن شبهة تعذيب والتعذيب النفسى عن طريق مشاهدتهم لتعذيب الآخرين، وقد نشر الرسالة كاملة فى مقال كل من عمرو حمزاوى وخالد داوود ومعتز عبد الفتاح، نُشرت كاملة دون تدخل، إلا عمرو حمزاوى الذى تدخل بشكل بسيط عن طريق دعوة لجان حقوق الإنسان للتدخل، ربما عمرو حمزاوى معروف أنه من المعارضين لـ«3/7» ولكن خالد داوود ومعتز ليسا من هؤلاء، مما ينبئ عن انزعاج كبير لدى قامات سياسية مهمة، وغالبًا ما يكون ذلك تعبيرا عن غضب الشباب، ففى النهاية هذه القامات السياسية فى تلك اللحظات الحاسمة، يريد كل منهم أن يكسب أرضية سياسية لدى تلك القطاعات سواء كان هذا من أجل الرصيد الإعلامى والسياسى بشكل عام، أو كانت لديه رغبة فى خوض غمار السياسة، بالترشح للانتخابات أيًّا كان نوعها، أو الوجود فى السلطة التنفيذية فى المستقبل أو حتى تعبيرًا عن ضمير شخصى (وهذه كلها أسباب مفهومة ومعتبرة ومحمودة على أى حال) والغريب هو التواتر بهذا الشكل لثلاث قامات سياسية بينهم مسافات نسبية، وخالد السيد وجه معروف فى الإعلام استمر وجوده على شاشات التليفزيون فترة طويلة قبل أن يختفى مع أحداث «30/6» وكان أحد أهم شخصيات ائتلاف شباب الثورة، ولمحاولة فهم المشهد فالبعض يقول إن هؤلاء عدد من الشباب لا يتجاوز العشرات وربما هذا حقيقى، ولكن المطلوب توضيحه، أن الشعب المصرى ربما نصف فى المئة فقط منه تم تسييسه، وحتى هذا العدد لم يتم تسييسه وانتماؤه إلى أحزاب مثل «المصرى الديمقراطى الاجتماعى» و«المصريين الأحرار» و«الدستور» وغيرها من الأحزاب، حتى الأحزاب الإسلامية، إلا بعد «25 يناير»، وبمعنى آخر فعدد قليل من الشباب هو من بدأ 6 أبريل 2008 وتبعتهم كتل كبيرة، وعدد قليل من الشباب بدأ صفحة خالد سعيد، واستجابت لهم بعد ذلك كتل شعبية هائلة صنعت ثورة، وعدد قليل من الشباب بدأ حملة تمرد، وتبعتهم ملايين كثيرة صنعت ثورة أيضًا، وشخص واحد مثل المشير عبد الفتاح السيسى قال كلمات بسيطة، استشعر فيها المصريون الصدق، فتبعه عشرات الملايين، المهم أن تلك الملايين التى تجلس فى البيوت، تتابع الشاشات، تتأثر بالأحداث، مشاعرها مترجرجة، لا تثبت عند قمة، لا تثبت عند قاع، هذه الملايين، نزلت ثورة يناير، جزء منها كبير لم ينزل إلا فى منتصفها، وانسحبت هذه الملايين مع خطاب مبارك فى 1 فبراير (أندفن فى أرضها، و6 أشهر، ولا توريث) ونزلَت مرة أخرى للشارع بعد موقعة الجمل، وذهبت لمنازلها بعد 11 فبراير هاتفةً «الجيش والشعب إيد واحدة»، ونزلت بأجزاء منها فى توترات مختلفة لاحقة تحدثنا عنها أمس، ثم هتفت «يسقط حكم العسكر»، ثم قالت «نعم لتعديلات 19 مارس» بـ77%، ثم أعطت التيار الإسلامى 18 مليون صوت فى «الشعب»، ثم انخفضت لـ5 ملايين فى «الرئاسة الأولى»، ثم عصرت الليمون فى «الرئاسة الثانية»، ثم نزلَت ضد مرسى بعد الإعلان الدستورى، ليكتمل المشهد فى «30/6» وقالت «الشعب والجيش والشرطة إيد واحدة»، وصعدت شعبية السيسى إلى أعلاها بـ«3/7» ونزول الملايين استجابة له فى التفويض فى «26/7»، وبعد ذلك بدأت الشروخ تحدث رويدًا رويدًا فى جبهة الثلاثين من يونيو، وشخصيات مهمة مثل البرادعى وعمرو حمزاوى وبلال فضل وغيرهم، مع أخطاء كثيرة وكبيرة لحكومة الببلاوى، ومن المؤكد وزارة الداخلية، وما زالت الأحداث تتوالى والمشاعر تتقلب، وآخرها إعلان حمدين صباحى الترشُّح قبل يومين وانسحاب عبد المنعم أبو الفتوح أمس، وانقسام حركة تمرد، وهذا طبيعى، فـ«تمرد» خرجت لهدف واحد، ومن مشارب وأيديولوجيات مختلفة، وكان يجب عليها حل نفسها بعد تحقق هدفها، كما فعل ائتلاف شباب الثورة، وأخطؤوا حين ظنوا أنهم قادرون على صناعة رأى سياسى موحَّد (وهذا غير مطلوب أساسًا) وأخيرًا فمشاعر الجماهير ليست وديعة فى بنك، ولكنها أموال سائلة فى سوق كبيرة، فلا يغترّ أحد، والتذبذب لحظىّ وليس يوميا!