من المؤكد أن الثورة ليست أفضل شىء فى الوجود، وأن قبول الأنظمة بما قبل الثورة أفضل، بمعنى القبول بضغط شعبى كبير، لتغيير سياسات وعمل إصلاحات جذرية، من المؤكد أنه أفضل، تجنبًا لما تحمله الثورة من تقلبات ومنحنيات وتوترات، وتوابع لهذا البركان الغاضب، والزلزال المرجرج لكل مفاهيم المجتمع وقيمه وسلوكه ومشاعره. مخطئ من يظن أن مشاعر الجماهير ثابتة عند قمة معينة، سواء لمفهوم أو لقناعة أو لفكرة أو لشخص، فالتوابع لم تنته بعد، والرجرجة مستمرة، وإذا كانت الثورة ليست الحل الأفضل، فهى الحل الضرورى، عندما تعاند الأنظمة، وتتكلس العقول، وتتباطأ القرارات، أخيرًا تتورط فى الدماء، عندها يكون آخر الطبّ الكىُّ، أو كما يقول الريفيون، خلى البضاعة الردية لآخر السوق، فمن المؤكد أن الثورة، بضاعة ردية، ولكن بما أننا كنا قد وصلنا لآخر السوق، فقد أصبحت ضرورة.
تحدثت بعض التقارير عن نسبة مشاركة فى دستور 2014 من الشباب الأصغر لـ18%، مع العلم أن نسبة المشاركة العامة 37% مع العلم أن نسبة الشباب فى التصويتات السابقة كانت تفوق النسبة العامة بكثير، مع العلم أن علم الإحصاء، وقياس الرأى العام، لم يتطور فى مصر إلى المستوى المطلوب، ولم يصل إلى مبتغاة بعد، ولكن من المشاهدة، أن هذه النسبة أقرب للصحة من المشاهدة، وهذا ما دفع رئيس الجمهورية لمناقشة الموضوع والجلوس مع الشباب مرة أخرى، والإسراع بعمل مفوضية للشباب، وجلوس مجلس الوزراء معهم، وأيضا وزير الداخلية جلس مع بعض منهم، وهناك كلام أن المشير عبد الفتاح السيسى يعد لجلسة مع الشباب كذلك، إذًا فالموضوع هو محل اهتمام كبير وإدراك لمشكلة ما قد حدثت، والمتتبع لمسار الثورة من البداية، 18 يومًا من التوحد، ضد الظلم والطغيان والفساد والقتل، تسلم المجلس العسكرى لمقاليد السلطة (طنطاوى عنان)، بداية لمشكلات كثيرة من 9 مارس وفض الميدان والاعتداء على المصابين، مرورًا بكشف العذرية، وبعد ذلك أحداث السفارة الإسرائيلية، وبعد ذلك ماسبيرو وبعدها مجلس الوزراء، ثم «محمد محمود» الأولى والثانية، وأحداث العباسية 1 و2 و3، ومجزرة بورسعيد، وكل هذه الحوادث تسفر عن قتلى ومصابين، ويأتى زمن الإخوان بانتخابات مجلس الشعب والشورى، والرئاسة وما أعقبها بعصر الليمون واتفاق فيرمونت، ثم النكث فى العهود والانقلاب على الثورة وأهدافها والإعلان الدستورى المحصن، وما رافق كل هذا من حصار لمدينة الإنتاج الإعلامى، والمحكمة الدستورية العليا، ويوم الحساب وبعدها مظاهرات المقطم والاتحادية، وبالتتابع مع ذلك مهرجان البراءة للجميع، وعدم عودة الأموال المنهوبة، فكانت حملة تمرد، وثورة 30 يونيو وهى الموجة الثالثة لثورة يناير، وأيضا حضرها شباب ثورى مكثف وتفاؤل كبير وأحلام واسعة، وتولى الرئيس عادلى منصور مقاليد الأمور، ومرت سبعة أشهر، ربما حدث بها أمور كثيرة ابتداءً من فض رابعة والنهضة، وما تلته من أحداث عنف لم تنته حتى الآن، ولكن بالتزامن مع ذلك سُنّ قانون التظاهر.
وحُبس بعض النشطاء مثل أحمد دومة وعلاء سيف وأحمد ماهر، وعمر حاذق وحسن مصطفى وماهينور فى الإسكندرية، وآخرون فى الأحداث الأخيرة، وتزامن مع ذلك حملة تشويه كبيرة فى الإعلام الحكومى والخاص فى آن واحد وصلت إلى اتهامهم بالتخابر وتلقى أموال من الخارج، مما أسفر عن الاعتداء على إسراء عبد الفتاح فى الشارع، وما رافق ذلك من تسريبات لتليفونات شخصية، ورافق ذلك أيضا حملة تطبيل كبيرة للمرشح المحتمل المشير عبد الفتاح السيسى بالتزامن مع التصويت على الدستور، مع ظهور بعض الشخصيات القديمة على المسرح مرة أخرى، وتنبؤات بالعودة من جديد إلى المسرح السياسى، كل هذا مع حكومة مرتبكة، بطيئة الحركة، لا تتناسب حركتها، مع شباب ثورى متحمس، وثلاث سنوات من الحماس الثورى من أجل تحقيق مطالبه، وتعامل برد الفعل من قبل الحكومة، مع مط فى خريطة الطريق غير مبرر.
كل هذا صنع شروخًا وتصدعات فى جبهة الثلاثين من يونيو يزداد الموقف تعقيدًا مع اقتراب انتخابات الرئاسة وما يتبعه من مرشحين محتملين، ولهم أنصار، ومن المؤكد أن غريمهم السياسى سيكون المشير السيسى، فهل سيتجنب جهاز الدولة الحكومى التحيز، وكذلك الجهاز الإعلامى؟
نكمل غدًا.. توترات المشهد السياسى