الرجل العجوز».. هى الصفة التى كانت تطلق على مبارك فى سنوات حكمه الأخيرة... فالرجل العجوز لم يستمع إلى نصائح القوى السياسية بإجراء تغييرات حقيقية فى السلطة وإجراء إصلاح سياسى.
.. وإنما سلّم نفسه لأسرته، خصوصًا زوجته، التى كان نفوذها يزيد يومًا بعد يوم.. وتتحكّم فى وزراء ووزارات معينة، وكانت صاحبة القرار، وكانت تعد ابنها لتولّى السلطة بعد أبيه.
.. كما كان لابنه جمال النفوذ الأكبر.. وأتى برجال أعماله، الذين نهبوا البلاد بغطاء قربهم من مبارك وابنه.. وأتى برجال لجنة سياساته الطامحين لتولّى مناصب فى حال توليه السلطة.. فكانوا سياسيين فاسدين.
.. واعتمد مبارك وابنه على قمع المعارضين.
.. واعتمد سياسة التزوير سواء فى الانتخابات أو غيرها.
.. ولم يستمع إلى أحد.. فقد أصبح الرجل عجوزًا لا يتحمّل آراءً أو كلامًا أو حتى نصائح أحد.. ويتخيّل أنه حكيم عصره وزمانه.
.. وللأسف كانت تتعامل معه قوى سياسية، ما زالت موجودة وتدّعى الثورية على غرار السيد البدوى ومن معه، بأنه الحكيم.. وذلك فى مقابل الحصول على منافع شخصية.
.. ولم يدرك مبارك أن الشعب ضاق به عبر سنواته الأخيرة، خصوصًا بعد أن ترك الحابل لابنه ورجاله يبيعون البلاد كما يشاؤون مقابل الحصول على أموال وعمولات على قفا الشعب وحقوقه وشركاته، والذى دفع من دمه الكثير من أجل تأسيسها وإطلاقها.. فباعوا القطاع العام والمصانع بتراب الفلوس لرجالهم مقابل أموال استطاعوا تهريبها إلى الخارج.
.. وحتى مع خروج الجماهير فى يوم ٢٥ يناير ضد ممارسات الشرطة والتعذيب والقهر وإهدار كرامة المصريين فى أقسام الشرطة والسجون برعاية مبارك ولجنة سياسات حزبه الفاسد، ورجال أعمال ابنه وسياسييه الفاسدين الذين كانوا يريدون اغتصاب البلاد، لم يدرك أنها ثورة.. وتخيّل بدعم من ابنه ورجاله أنها هوجة وهتعدّى.
.. واستمر الرجل العجوز لا يستطيع التصرّف وخضع لابنه ورجاله بخطاباته غير المفيدة خلال أيام الثورة.
.. فالعجوز لم يفعل فى سنواته الأخيرة ما يشفع له عند الناس، أو يثقون فيه.
.. فقد سلّم أمره وأمر البلاد إلى عصابة ابنه لينهكوا عرض البلاد ويخربوها.
.. فقد استطاع مبارك خلال سنوات حكمه الثلاثين أن يجرّف البلاد من كفاءاتها.. لأنه لم يكن يريد كفاءة على الإطلاق.. كان يريد منافقين وموالسين.. ويريد تهيئة المناخ بتأثير زوجته ليتولّى ابنه السلطة من بعده.
.. ولم يكتفِ مبارك بذلك، بل إنه هو الذى مهّد لتدخلات أجنبية فى البلاد.
.. وهو الذى ترك الإخوان ليستقووا على حساب القوى السياسية الأخرى.. مقابل اتفاقات من «تحت الترابيزة» ومن خلال أجهزته الأمنية.
.. واستطاع الإخوان استخدام تلك التهديدات والاتفاقات لبناء تنظيمهم والتوحّش على حساب قوى وطنية كانت تخضع لقمع مبارك ورجال داخليته.
.. فقد كان لا بد من الثورة على مبارك ونظامه المستبد ورجاله الفاسدين.
.. ولعل إعادة محاكمة مبارك فى أسبوعها الجارى فى قضية قتل المتظاهرين مناسبة لتذكّر أفعاله واستبداده وفساده، مقترنة بأسبوع الذكرى الثالثة لخلعه.
.. ولو تمت محاكمة مبارك على ما خرّبه فى البلاد خلال سنوات حكمه، لكان مصيره شيئًا آخر بدلًا من الترهات التى يخرج بها علينا الآن بعض رجاله الفاسدين.
.. فمبارك هو السبب فى ما وصلت إليه البلاد من تأخّر وسحب الوطن إلى الخلف، بما فى ذلك محاولة الإخوان السيطرة على البلاد، وكانت فى مخيلتهم السنوات الطويلة من حكم مبارك.
.. لكن حدث تغيير فى البلاد بفعل ثورة ٢٥ يناير التى تم استكمالها فى ٣٠ يونيو.
.. ولن يعود رجال مبارك.