وهكذا عادت قضية شهداء استاد بورسعيد إلى نقطة الصفر، بعد أن قضت محكمة النقض بنقض الحكم الصادر بإعدام 21 متهمًا وإعادة محاكمتهم من جديد. هذا الحكم أثار من جديد الشكوك حول القضية برمتها، وما إذا كان المتهمون هم الجناة الحقيقون أم غيرهم؟ وهل سيذهب دم الضحايا الـ72 الذين قتلوا فى المذبحة هدرًَا، إذا صدر حكم ببراءة المتهمين، كما ضاعت دماء كل شهداء الثورة بعد أحكام البراءة التى حصل عليها الضباط المتهمون بقتلهم؟ لقد تزامن الحكم مع الذكرى الأولى لاستشهاد الراحل محمد الجندى، الذى مات منذ عام فى الذكرى الثانية لثورة يناير، وما زالت وفاته لغزًا لم يجد حلًا، هل صدمته سيارة حسب الرواية الرسمية لوزارة الداخلية، التى ساندها تقرير للطب الشرعى، أم قتل بالتعذيب ومن جراء الضرب على رأسه، وهو ما أثبته تقرير آخر للطب الشرعى أيضًا؟ هل لا يستطيع الأطباء الشرعيون تحديد سبب الوفاة بدقة؟ أم أن هناك قوى تريد عدم كشف الحقيقة؟ هل وفاته كانت غامضة للدرجة التى لا يمكن معها معرفة سبب الإصابات الموجودة على جثمانه؟
إننا أمام ألغاز تعبنا من استمرار غموضها، وعدم قدرة أجهزة الأمن المختلفة على حلها، وكشف أسرارها (إذا افترضنا حسن النية) أو تواطؤها وتورطها فى هذه الجرائم، ولذا تحاول طمس أدلتها (إذا افترضنا سوء النية)، وهو ما يجعلنا نطالب الرئيس القادم بأن يتعهد فى برنامجه الانتخابى بكشف الحقائق للشعب وحل هذه الألغاز، التى طال غموضها، فهل يعقل أنه رغم مرور ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير لم نعرف حتى الآن من قتل الثوار فى ميدان التحرير وفى المحافظات المختلفة؟ ومن هم القناصة الذين اعتلوا أسطح المبانى فى ميدان التحرير، خصوصًا سطح الجامعة الأمريكية وأطلقوا النار على المتظاهرين؟ وما حقيقة موقعة الجمل ومن ورائها؟ هل الإخوان أم بعض أعضاء الحزب الوطنى المنحل بحكم قضائى؟ ومن أطلق البلطجية يرهبون المواطنين وينهبون المحلات مساء يوم جمعة الغضب؟ ومن وراء مجزرة ماسبيرو، التى قتل فيها 24 مسيحيًّا معظمهم مات دهسًا تحت السيارات المجنزرة؟
لقد شكل الرئيس المخلوع محمد مرسى لجنة تقصى حقائق برئاسة المستشار عادل قورة لمعرفة ما جرى من قتل وإصابة المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير وسلمت تقريرها إلى د.عصام شرف رئيس الوزراء آنذاك، وتم تشكيل لجنة أخرى من المجلس القومى لحقوق الإنسان لتقصى حقيقة ما جرى فى ماسبيرو، وقالت فى تقريرها (توصلنا بشكل بات إلى وجود طرف ثالث قام بالاعتداء على المتظاهرين الأقباط ورجال القوات المسلحة، وأنه كان هناك قناص أعلى كوبرى أكتوبر أطلق الرصاص من موقعه)، لكن أحدًا لم يتوصل حتى الآن إلى الطرف الثالث الذى تردد اسمه عدة مرات فى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية؟ وحسب الصحفى هانى سمير فى كتابة (مذبحة ماسبيرو أسرار وكواليس) فإن الرئيس المخلوع محمد مرسى شكل لجنة لتقصى الحقائق عن قتل وإصابة المتظاهرين من 25 يناير حتى 30 يونيو 2012 تاريخ توليه الرئاسة، وأن هذه اللجنة كتبت تقريرًا من نسخة واحدة تم تسليمه لمؤسسة الرئاسة وقتها، لكن كل هذه اللجان لم تكشف كل شىء، وظل الغموض يحيط بنا فى كل الأحداث، وأتمنى أن تنجو اللجنة التى شكلها الرئيس عدلى منصور للتحقيق فى أحداث 30 يونيو والحرس الجمهورى وفض اعتصام رابعة العدوية من مصير اللجان السابقة، وأن تصل إلى حقائق مقنعة وموثقة، وأن يتم إعلانها للشعب مهما كانت أسماء المتسببين فيها،
الرئيس القادم عليه أن يكشف لنا أسرار كل هذه الأحداث، وأن يثأر للشهداء والضحايا ممن قتلهم، وإلا ستظل دماؤهم لعنةً تصيب كل من يتجاهل الانتقام لهم أو يتوطأ عليهم.