هناك انتخابات تجرى كل عام فى أمريكا.. وانتخابات المحليات أقل حضورًا بنسبة 10%
هذا يوم الجمعة أى نهاية الأسبوع هنا فى تشابل هيل، وكل المدن الأمريكية قطعا، لكن الجدول مزدحم للغاية، وسنبدأ بجلسة مع طلاب بالجامعة درسوا أو ينوون دراسة منطقة الشرق الأوسط واللغة العربية.
كان هذا صباح الاحتفال الصاخب بـ«الهالوين»، ومع ذلك لم يتأخر بنى آدم واحد من الطلاب عن موعد اللقاء فى التاسعة صباحا، لكن اثنين من وفدنا العربى هما اللذان تأخرا رغم أنهما اكتفيا فى الاحتفال بالفرجة والسعادة لا الانغماس التام فيه لأسباب ربما تتعلق بـ«الصدمة الهالوينية».
«الحلقة السادسة»
الانتخابات الأمريكية تخضع لتأثير المال وأصحاب النفوذ لدرجة تغيير النتائج لصالح أشخاص بعينهم وذلك باعتراف منظمات المراقبة
خريطة الولايات البنفسجية.. وانهيار أسطورة الانتخابات الأمريكية النزيهة
الجلسة أدارها البروفيسور شاى تمارى، أى نعم، هو ذلك الأكاديمى البارز الذى خدم لسنوات فى الجيش الإسرائيلى ويتكلم العربية المتكسرة، كنا متحفزين قطعا لأى تلميح أو حتى إشارة يظهر فيها تأثير جذوره على إدارة الحوار، لكن الرجل -للأمانة- أعطى درسا فى إدارة الحوار بطريقة ممتعة «غير أبوية»، إذ تدفق الحديث من الطلاب عن تجاربهم دون تدخل أو حتى تصحيح منه، مكتفيا فقط بابتسامة لطيفة، وتوزيع الأدوار فى الحديث، أو تحديد الطالب الذى يمكن أن يجيب عن أسئلتنا بطريقة أكثر عمقا تبعا لدراسته.
لكن بماذا يهتم طلاب جامعة نورث كارولينا بدراسته فى الشرق الأوسط؟
جاكوب وهو أتى إلى هنا للدراسة قادما من لاس فيجاس، سافر إلى القاهرة وعمان وحيفا، ليدرس المخطوطات العربية، وليعمل على مشروعه الخاص المبهر «تحويل المعلومات المكتبية إلى بيانات وأرقام معلوماتية»، بهدف تقليل الجهد فى البحث العلمى فى ما يتعلق بالتراث. أما جويل المنحدر من جذور لبنانية فدراسته تتعلق بالإصلاحات الانتخابية فى لبنان بلده الأم، فى حين أن كاميل ذهبت إلى الأردن لمدة شهرين لتتعلم اللغة العربية، قائلة فى لهجة واعية وعميقة قد تبدو غريبة على سنوات عمرها العشرين «لا يمكن فهم الشرق الأوسط دون فهم الشعوب».
آية ذات الجذور الجزائرية تنتوى دراسة اللغة العربية بالسفر إلى المغرب عن طريق منحة، ليلان ذهبت إلى الأردن لتتعلم اللغة العربية، من أجل أن تنجز دراسة عن «تعليم المراهقات اللاتى انقطعن عن الدراسة»، وتروى بلطف وخفة دم تجربة إقامتها لشهرين فى عمان، وكيف أن تعامل المواطنين معها يختلف عندما يعرفون أنها أمريكية وليست أوروبية كما تظهر ملامحها، المعاملة تصبح جافة بعض الشىء كما لاحظت، مشيرة إلى أنها حاولت فى هذه الفترة القصيرة التى قضتها فى بلد عربى، أن تغير من الصورة النمطية عن المواطن الأمريكى بشكل عام، لكن هذا يحتاج إلى سنوات لا إلى شهرين فقط قطعا.
تجارب الطلاب موحية إلى حد كبير، وأكثر ما يثير الانتباه هو أن المهتمين بدراسة الشرق الأوسط، ليسوا جميعا منحدرين من بلدان المنطقة المغرية دوما بالبحث والدراسة فى محاولة لفهمها، ولفهم لماذا يكره غالبية أهلها السلوك الأمريكى فى المنطقة، لكن كان لافتا أن أيا من الطلاب لم يأت إلى مصر، سواء لتعلم اللغة العربية، أو للقيام بدراسة حول المجتمع، لكن الأمر فسره تمارى قائلا بأن كل هؤلاء الطلاب بدؤوا دراستهم العليا فى العامين الماضيين فقط، وهى من السنوات التى شهدت فيها مصر استقرارا واضطرابا أمنيا، ولأن منحة دراسة الطلاب فى الشرق الأوسط تمول غالبيتها من الخارجية الأمريكية التى تضع ضوابط صارمة تتعلق بحماية الطلاب فى أى مكان بالعالم يذهبون فيه للدراسة، فقد تم استبعاد مصر من قائمة دول الشرق الأوسط التى يذهب إليها الطلاب الأمريكان، وهكذا أصبحت عمان فى الأردن والرباط فى المغرب، مركزا لتعلم اللغة العربية لغالبية الطلاب الأجانب، وتراجع الدور المصرى فى ذلك.
لم تكن هناك جدوى من النقاش حول أن الوضع فى مصر ليس بهذه الخطورة، وأن الأجانب بشكل عام غالبا هم فى مأمن عن أى أحداث دامية باستثناءات قليلة، هذا منطق محترم لبلد يحافظ بصرامة على حياة «أبنائه فى الخارج»، ولا يكتفى بتسفيرهم كمكتب «توريد عمال» مؤكدا عليهم بأنه «بينا موبايلات بقى» و«انتو عارفين مكان السفارة».
بعد فاصل قصير تخلله إفطار خفيف، جاء الدور على المحاضرة الثانية التى كانت أكثر تشويقا وقد هزت ثوابت راسخة ونمطية لدى المرء عن الولايات المتحدة الأمريكية.
المتحدثة كانت ميلسا برايس، هى «مديرة ائتلاف الناخبين فى نورث كارولينا من أجل انتخابات نظيفة»، ما هذا، وهل الانتخابات الأمريكية بحاجة إلى نظافة؟ طبعا حضرتك.. القاعدة الجديدة التى سنعرفها هنا، هو أنه لا توجد انتخابات نظيفة ونزيهة فى العالم كله حتى فى أمريكا، هذه أساطير نصنعها يا سيدنا ومن العيب أن نتعامل معها كحقائق علمية.
انطلقت السيدة ميلسا لتتحدث عن الجغرافية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، وكيف أن الولايات التى تصوت عادة للحزب الديمقراطى تعرف باسم «الولايات الزرقاء»، بينما تلك التى تؤيد الحزب الجمهورى فهى «الولايات الحمراء»، أما تلك المتأرجحة بين هذا وذاك فتعرف بـ«الولايات البنفسجية»، نورث كارولينا التى نحن بضيافتها ظلت لسنوات طويلة ولاية حمراء، لكنها كسرت القاعدة وصوتت لأوباما الديمقراطى فى انتخابات 2008، إلا أنها مارست «بنفسجيتها» بامتياز فى الانتخابات التالية، قبل أن تنحاز فى النهاية إلى اللون الأحمر مجددا وتمنح غالبية أصواتها لرومنى، لكن ذلك لم يكن كافيا لأن يفوز فى الانتخابات بشكل عام.
نسأل، حسنا باسيدة ميلسا، ما الحاجة إذن إلى العمل من أجل أن تكون الانتخابات نظيفة فى أمريكا، ما هى حلوة وزى الفل أهى، وأكبر دليل هو تغير لون الناخبين فى الولاية بين الأحمر والأزرق بكامل حريتهم ودون ضغوط؟
تشير ميلسا بأسى، النظافة ليست مفقودة فى الانتخابات الرئاسية فحسب، لكنها تتجلى فى انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ، من الذى يقوم بالدور الرئيسى فى ذلك؟ أطراف كثيرة أخطرها جماعات الضغط التى هى أكثر عددا من المشرعين أنفسهم، وجماعات الضغط هذه تتركز على سبيل المثال فى الشركات الكبرى ورجال الأعمال، وحتى المحامين أصحاب النفوذ، نحن نرى ذلك بالفعل فى بلادنا العربية الكريمة يا سيدتى، لكن لم نتصور أن يحدث هنا بحذافيره هكذا.
تواصل حديثها بمرارة واضحة، فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أحد رجال الأعمال البارزين الذى يمتلك مصنعا ضخما هنا فى نورث كارولينا، يعمل لديه عدد كبير من العمال السود، فما كان من الرجل إلا أن استغل نفوذه هذا مستخدما الترهيب تارة والمال تارة أخرى، لا ليضمن تصويت العمال السود فى مصنعه لصالحه فحسب، بل ليعملوا فى حملته الانتخابية ليضمن تصويت كل معارفهم من السود فى باقى الولاية، هل تسمون ذلك نظافة فى الانتخابات؟
كدت أن أقول لها إن هذا ناموس انتخابى كونى يحدث فى مصر والدول العربية منذ أن قالوا يا انتخابات قبل أكثر من قرن كامل، لكنى تركتها لشجونها، فأضافت: المحامون هنا لا توجد قيود عليهم لتمويل الحملات الانتخابية وبلا سقف محدد للقضاة.. حسنا.. تخيل أنك القاضى فلان، وتحكم فى قضية يترافع فيها المحامى علان الذى قدم لك دعما ماليا كبيرا فى الانتخابات الماضية -كاسر عينك كما تلخص الأمثال المصرية فى إعجاز عظيم- بماذا ستحكم؟ وأين العدل والنزاهة ها هنا؟
مرحبا سيدتى، أنت تحكين عن الانتخابات فى بلادنا العربية بالضبط وليس عن الانتخابات فى أمريكا حضرتك.
ما الحل؟ تجيب: لهذا نعمل فى هذا الائتلاف، لنوعى الناخبين، ولننظم حملات ضغط على الجهات المختصة لوضع سقف محدد للدعاية الانتخابية، ولفك الارتباط بين رجال الأعمال والسياسة بقدر الإمكان.
لم أعد أتحمل أكثر من ذلك سألتها السؤال المحشور فى زورى منذ أول اللقاء «بعد كل هذا هل يمكن أن نقول إن الانتخابات فى أمريكا ليست نزيهة أو نظيفة؟»، صمتت السيدة المهذبة لفترة، هذا سؤال يتعلق بأسطورة أمريكية ذات جذور فى وجدان الملايين، سؤال صفيق طبعا، لكننا فى أمريكا حيث لا يوجد سؤال مهذب أو سؤال قليل الأدب، وإنما يوجد سؤال فحسب.
أجابت ببطء «قواعد الانتخابات هنا هى الأفضل غالبا من تلك الموجودة فى كثير من بلدان العالم لكن..»، صمتت مرة أخرى قبل أن تقول بجراءة وحسم «لكن الأكيد أن الانتخابات فى أمريكا ليست نزيهة 100%»، تسلمى يا افندم.
لاحقا، وفى آخر أيامنا فى تشابل هابل، ستكون هناك جولة فى مراكز الاقتراع بالبلدة، الانتخابات كانت متعلقة باختيار العمدة وفريقه المعاون، هذه انتخابات المحليات كما تلاحظ، توقعنا أن نرى طوابير وحشودا ولافتات دعاية، لكن المفاجأة أننا لم نر أى شىء من هذا الفلكلور الانتخابى، مركز الاقتراع الذى ذهبنا إليه فى قلب المدينة، فى غرفة ملحقة بإحدى الكنائس، المكان شديد الهدوء ويوحى مطلقا بأن هناك معركة انتخابية تجرى رحاها هنا، وفى الداخل يجلس عدد من السيدات المسنات اللطيفات اللائى يستقبلن الجميع بابتسامة مشجعة، هن المشرفات والمراقبات للعملية الانتخابية.. بس هى فين العملية الانتخابية دى؟ فين الناس؟
جلسنا لنحو ثلاثين دقيقة فى مركز الاقتراع، دون أن يمر علينا أحد الناخبين على سبيل الغلط أو رغبة فى تلبية نداء الطبيعة بأحد الحمامات الملحقة بالمكان، سألنا «خير يا إخوانا.. هى الانتخابات مطبخة ولّا إيه؟»، فكانت الإجابة أن هذا أمر طبيعى جدا، لأن انتخابات اليوم شديدة المحلية ونادرا ما يزيد الإقبال فيها على 10% من عدد الناخبين، ثم إن الأمر هنا فى تشابل هيل شبه محسوم، لأن العمدة محبوب ولا ينافسه أحد بالأساس، وفائز بالتزكية قبل إجراء الانتخابات بالأساس.
إقبال محدود.. وتزكية للعمدة.. وعدم اهتمام من وسائل الإعلام.. من قال إن أمريكا بلد الانتخابات الصاخبة التى لا ينام فيه أحد يومها؟ فى كل الأحوال هناك انتخابات واحدة على الأقل تجرى فى الولايات المتحدة سنويا، فى الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر كل عام، انتخابات المحليات والعمد، وانتخابات مجلس النواب، وانتخابات الكونجرس، وأخيرا انتخابات الرئاسة، كل واحدة من هذه الانتخابات الأربعة تجرى فى عام، لا بد من يوم انتخابى فى حياة المواطن الأمريكى كل سنة إذن، يشارك أو يتجاهل، يهتم أو يقضى اليوم فى رحلة بحرية، يؤمن بنزاهتها أو متأكد تماما من أنها انتخابات فاسدة ولا تجلب الصالحين دوما، هذا هو قراره، لكن المهم أن عجلة الانتخابات السنوية تدور ولا أحد يوقفها.
فى طريق العودة إلى فندقنا الكلاسيكى المحبب، نبه علينا مرافقونا الأربعة بضرورة الاستعداد لآخر نشاط فى هذا اليوم الدسم، «الاستضافة المنزلية» «Home Hospitality»، وهو تقليد أمريكى أصيل، يختص بها المشاركون فى برنامج «الزائر الدولى»، وفيه يذهب مجموعة من الزائرين كضيوف على عشاء فى منزل أحد المواطنين الأمريكيين الذى لا توجد بيننا وبينه أى سابق معرفة، هو فقط يريد أن يتعرف على هؤلاء القادمين من بلدان بعيدة، ويقدم لهم العشاء من صنع يده هو وأسرته فى منزلهم.. لا ينتظر منا شيئا سوى تبادل المعرفة والحكاوى عن الأوطان والبشر.. تجربة ثرية إنسانيا بكل تأكيد.
تم تقسيم المجموعة العربية إلى ست مجموعات وكان نصيبى أن أذهب برفقة الأصدقاء محمد شنانى، العراقى، وخلود عساف، الفلسطينية، مع جو عبيد كمترجم ومرشد، ونحن فى البهو منتظرون السيد ماثيو مضيفنا الكريم -القاعدة هنا أن يأتى المضيف إلى الفندق بسيارته ثم يعود إلى منزله.. شوف الشياكة يا جدع- انقلب الجو بشدة، والمطر الذى كان يسقط بخفة منذ الصباح، تحول إلى هجوم متتال من الزخات، الجو كان لطيفا رغم ذلك، لكن ماثيو الذى كان قادما من قرية مجاورة، اتصل معتذرا لأن سيارته تعطلت فى الطريق بفعل المطر، ولم يعد يعرف كيف سيعود إلى منزله بالأساس.. نعتذر عزيزنا ماثيو، يبدو أن النحس العربى المركب أصابك أنت هذه المرة.. ضاعت العشوة والقاعدة اللطيفة المنتظرة.
لكن ذلك لا يحدث بسهولة فى أمريكا.. ماثيو الجدع، اتصل بصديقه جو، الذى كان سيستقبل بدوره مجموعة أخرى منا فى منزله، واتفق معه على أن يستقبل مجموعتنا البائسة، إضافة إلى المجموعة الأصلية، بما يشمل ذلك مضاعفة العشاء قطعا، والغريبة أن جو وافق متحمسا.. هذا كرم أمريكى واضح، تخيل أن هذا الموقف ذاته حدث لأسرة مصرية قررت أن تعزم أسرة أمريكية من أربعة أفراد ذات مساء، ففوجئت قبل الموعد بساعة بأن العدد تضاعف إلى تسعة!
جاءنا جو سعيدا ومبتهجا، ولأن سيارته لن تتسع للجميع، أخذ هو مجموعة ولحقنا به نحن فى تاكسى لنصل إلى منزله الريفى الذى يوجد على أطراف تشابل هيل، وبعيدا عن مركزها بنحو 15 دقيقة فحسب.
كان المنزل أمريكيا بامتياز، يوجد فى قلب غابة من الأشجار الطويلة، الممر المؤدى إليه من الطريق الرئيسى مرصوف بالحصى الأبيض، لكنه مظلم تماما، ولا تضيئه سوى أنوار السيارة، ثمة صوت كلب ينبح فى الجوار، والضوء الأصفر الخارج من النوافذ الزجاجية يوحى بأجواء فيلم رعب مثالى، هذا هو نمط الحياة الأمريكى الطبيعى، البيوت فى الريف بعيد بعضها عن بعض، شبه معزولة، لكن الجميع يعيش فى أمان لا يعرف المرء من أن يأتوا به، وبعضنا فى مصر يخاف أن يعيش فى المدن الجديدة مفضلا دوشة وفوضى أحياء القاهرة بحثا عن الونس والصحبة.
جو مسؤول فى مجلس العلاقات الخارجية بمدينة رالى المجاورة، مهتم بتاريخ الشرق الأوسط، وسافر إلى نحو 30 دولة أجنبية، لديه طفلتان من زيجة سابقة، وشريكة حياة، ولفظ شريكة هذه مفهوم قطعا لكل متابعى أخبار نجوم هوليوود، لكنه غير مقتصر عليهم فحسب، ليست زوجة قانونا، لكنها شريكته التى يحب أن يعيش معها فى منزل واحد، لكنها اليوم مريضة ولن تستطيع لقاءنا كما أوضح لنا.
هذا سلوك أمريكى اجتماعى آخر، أولا كون أن شريكته مريضة، فإن هذا لم يمنعه من استقبال ضيوف.. 8 ضيوف للدقة قادمين من بلاد تبعد عن بلاده آلاف الكيلومترات، لكن كونه استقبلنا رغم هذه الظروف، فإن ذلك لا يجبره أو يجبر شريكته على أن تلتقى بنا وهى مريضة بالأساس، قاعدة أخرى تتعلق بالذوق واحترام الخصوصية.
احتفاء بنا، قرر جو أن يطهو لنا طعاما نباتيا جلب معظم متطلباته من حديقة المنزل الخلفية، قبيل المجىء إلى هنا، دارت علينا ورقة استطلاع لندون فيها رغباتنا فى الطعام، وهل نتقبل أن نأكل لحوما أم نقتصر على الطعام النباتى، وهل نتقبل أن نزور بيوتا أمريكية توجد فيها حيوانات أليفة أم أن هذا يثير الضيق، هم يريدون أن تكون الزيارة لطيفة عليك وعلى من تزوره لا عبئا متبادلا.. إنها الحياة الحلوة يا جماعة التى يحترم فيها بعضنا بعضا.
دقائق، وتحول بيت جو إلى بيت لنا جميعا، تامر الفلسطينى ساعده فى طهى المكرونة، نجاة الأردنية، بدأت فى وضع الأطباق على الطاولة، بينما أخرج وسام العراقى زجاجات العصائر والمشروبات الأخرى لمن يحب من الثلاجة، ودار بين الجميع حوار لطيف ممزوج برائحة الطعام الشهية فى المطبخ الأمريكى التقليدى، قبل أن ننتقل إلى الطاولة ليطور الحديث عن المجتمعات العربية وطبيعتها، وعن محبة جو للطبخ، وسبب محبته له، الذى لخصه بـ«كلما وجدت مساحة من الوقت قررت أن أطبخ.. وهكذا تحول الأمر إلى هواية».
أمسية لطيفة فعلا، كشفت عن جانب من طبيعة شخصية المواطن الأمريكى المحب للمعرفة والإقبال على الثقافات الأخرى. جو مثلا دوّن اسم نجيب محفوظ عندما قلت له إن رواياته تكشف جانبا مهما من التاريخ الاجتماعى والسياسى المصرى المعاصر وأن كثيرا منها مترجم إلى الإنجليزية.
فى طريقنا للعودة للفندق، كانت البشارة «غدا الويك إند.. إجازة للجميع، لا توجد لقاءات أو محاضرات.. لكننا أعددنا لكم رحلة لن تنسوها أبدا»، إلى أين يا جماعة؟ ويلمجتون.. والحقيقة أن متعة أخرى كانت تنتظرنا هناك.