تصدر القوانين فى الدول مناسبةً لحال البلاد والعباد، من رحم البيئة المحلية تولد القوانين للتعامل مع واقع قائم، فالقوانين لا تصدر من فراغ ولا فى فراغ، كما أنها تعدَّل وتطوَّر لتعالج مشكلات تظهر فى الواقع.
قد تولد فكرة القانون خارج الحدود فى دولة أخرى أو منظمة دولية، مثل القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية، الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، فتتلقف الدولة الفكرة وتعد مشروع قانون يستلهم روح القانون الصادر فى دولة أخرى أو الوارد ضمن اتفاقية دولية، فهناك دول يمكن أن تتبنى القانون الصادر فى دولة أخرى كما هو دون تعديل أو تغيير، وهناك أيضا دول أخرى تقاومه أن تقبل بتطبيق بعد جوانبه ومكوناته، كل ذلك حسب طبيعة الدولة والمجتمع. الفكرة المهمة هنا هو أن البيئة المحلية تلعب دورًا مهمًّا فى إنتاج القوانين والتعاطى مع القوانين الدولية والنصوص الواردة فى الاتفاقيات الدولية.
نأتى إلى مشروع الانتخابات الرئاسية الذى نُشرت مسوَّدته الأولى ونقرأ ما ورد فيه فى ضوء خبرة الانتخابات الرئاسية السابقة التى جرت فى شهر يونيو ٢٠١٢، ونطرح السؤال: هل حافظ القانون على ما كان موجودًا من إيجابيات؟ الإجابة هنا نعم، والسؤال الثانى: وهل عالج مشروع القانون الجديد ما ظهر من سلبيات ومشكلات فى الانتخابات اللرئاسية السابقة؟ الإجابة هنا لا وقد نقول جزئيا، بمعنى أن المشروع الجديد عالج جزءًا من المشكلات، ولكنه لم يعالجها كلها، ولم يطرح آليات محددة لتطبيق ما ورد من قيود وضوابط.
من بين أبرز إيجابيات مشروع القانون الجديد أنه أسقط الحصانة عن اللجنة العليا للانتخابات وأجاز الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا لينهى مسلسل تحصين الذات الذى كان آفة مصر على مدار العامين الماضيين، وإنهاء مسألة التحصين يجيز الطعن على قرارات اللجنة، ومن ثم يعالج ما قد تقع فيه اللجنة من أخطاء أو تتغاضى عنه من مخالفات على النحو الذى شهدناه فى الانتخابات الرئاسية السابقة التى كانت متخمة بالتجاوزات، ولم يتم التحقيق فى أى منها، نظرًا لتحصين قرارات اللجنة. أيضا من بين النواقص فى مشروع قانون الانتخابات الرئاسية الجديد عدم النص على جنسية أبناء المرشح الرئاسى، فالمشروع حافظ على شروط أن يكون المرشح مصريا من أبوين مصريين ولم يحمل هو ولا أى من أبويه جنسية دولة أخرى، وكذلك على شرط مصرية الزوجة/ الزوج، إلا أنه لم ينص على عدم حمل أى من أبنائه جنسية أجنبية، وهو ما كشفت لنا عنه خبرة الانتخابات السابقة والرئيس المعزول، فقد اكتشفنا أن أولاده يحملون الجنسية الأمريكية، وقاوم المعزول كل فكرة تطرح للنص على جنسية الأبناء وكل الدعاوى التى كانت تطالب بإسقاط الجنسية الأمريكية عن أنجاله، لذلك نطالب باستكمال المادة لتنص على عدم جواز حمل الأبناء جنسية دولة أجنبية.
ومن بين أبرز الثغرات فى مشروع القانون الجديد أنه لم يفرض رقابة صارمة على تمويل المرشحين، صحيح أنه حدد سقف الإنفاق بعشرة ملايين جنيه ونص على عقوبات محددة على من يخالف هذا النص، لكنه لم يجرم ذلك، ولم يضع آلية واضحة للرقابة والمتابعة من خلال الأجهزة المصرفية والرقابية، ولم يفرض ضوابط صارمة على التمويل من خلال الإسهامات النقدية المباشرة ولا من خلال الإسهام فى الحملات والإعلانات، ومطلوب أن ينص القانون على آليات محددة للرقابة ويجرم تجاوز التمويل من ناحية والحصول على تمويل أجنبى بالمخالفة للقانون من ناحية ثانية.
كذلك لم يتضمن القنون عقوبات مشددة لأعمال البلطجة والاعتداء التى قد يمارسها أنصار مرشح ما ضد مرشح أو مرشحين آخرين، ولا بد أن يرد ضمن نصوص القانون الجديد ما يجرم مثل هذه الأعمال ويفرض عقوبات رادعة، منها استبعاد المرشح الذى يرتكب مخالفات لضوابط التمويل والذى يمارس أنصاره أعمال البلطجة والإرهاب.
وفى تقديرى أن إضافة هذه العناصر إلى مسودة مشروع القانون المقترح سوف تسد ثغرات عديدة كشفت عنها الانتخابات الرئاسية السابقة، ونضمن أن تكون الانتخابات القادمة أكثر نزاهة وشفافية وهدوءًا أيضا.