حدثت هذه الموقعة فى عام 60 هـ فى عهد الخليفة يزيد بن معاوية، وتقول القصة إن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لِما عُرف عنه من فسق فأرسل يزيد جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة حيث قاتل أهل المدينة فهزمهم فى هذه الموقعة الشهيرة، ثم أصدر القائد (المسلم) أمرًا لجيش المسلمين باستباحة مدينة النبىّ ثلاثة أيام (كأمر الخليفة له) كما يفعل الغزاة الأجانب الهمج بأى شعب مهزوم، وبذلك أُبيحت دماء وأموال وأعراض المسلمين لغيرهم من المسلمين، وقيل إنه قُتل فى هذه الأيام الثلاثة أربعة آلاف وخمسمئة مسلم، وأنه قد فُضَّت بكارة ألف فتاة بِكْر، ثم ألزم القائد (المسلم) مَن بقى فى المدينة من المسلمين بأن يبايعوا يزيدًا على أنهم خَوَل (عبيد) له، ومن أبَى منهم هذه الصيغة المشينة المهينة للمبايعة قُتل، وعندما وصل نبأ ما حدث فى المدينة إلى يزيد خليفة المسلمين وأمير المؤمنين قال:
لَيْتَ أشياخى ببدرٍ شَهِدوا *** جَزَعَ الخزرجِ من وَقْعِ الأَسَل
لأهلّوا واستهلّوا فرحًا *** ولقالوا ليزيد لا فشل
لاحظ هنا أن يزيدا ينعى أشياخه من بنى أمية الذين قُتلوا فى بدر على يد المسلمين، كأنه ينتقم لهم من أهل المدينة، وكانوا يلقَّبون بالخزرج، لأنها كانت القبيلة الأقوى من القبيلتين الأوس والخزرج.
مدينة رسول الله ومن بها من الأنصار، يُقتل من أولادهم وأحفادهم أربعة آلاف وخمسمئة رجل، وتُغتصب ألف امرأة بِكْر. هل تعرفون الأنصار الذين دافعوا عن رسول الله ونصروه، هل تسمعون عن أبو أيوب الأنصارى، عن سعد بن معاذ، عن عبد الله بن رواحة، عن عمرو بن الجموح، عن أسعد بن زُرارة، عن سعد بن الربيع، عن بشير بن سعد، عن معاذ بن جبل، عن عبادة بن الصامت، عن سعد بن عبادة، عن أم عمارة (نسيبة بنت كعب) وغيرهم كثير؟! عندما حدث هذا فى عام 60 هـ كانت عشائر هؤلاء هم أهل المدينة، لأن أهل الهجرة من قريش كانوا أهل سفر وترحال، وفضّل معظمهم الذهاب إلى الكوفة والبصرة، حيث المدنية والرزق والتجارة، أما معظم أهل المدينة فقد فضّلوا البقاء فى مدينتهم، وبين نخلهم وتمرهم، وفى أثناء ما حدث فى عام 60 هـ كان فى المدينة أبناؤهم وأحفادهم من المسلمين، ماذا فعلوا، خلعوا بيعة يزيد عندما وصل إلى علمهم أمر فسقه (يعنى مش عايزين يصوّتوا له فى الانتخابات) يعنى عايزين يكونوا معارضة، خلّوا بالكم، هم لم يخرجوا لقتاله، هى مجرد معارضة لحكمه، أنا من الممكن أن أتفهم (أفسر، لا أبرر هذا الحدث) من المنطلق السياسى والحرص على الحكم والكرسى والسلطة أن يحدث هذا، فقد كانت هذه هى طبيعة الصراع البشرى، فى مجتمع ما قبل الحضارة (بل ويحدث أحيانًا فى مجتمع الحضارة والعلم، بل ويحدث أكثر من ذلك)، البربرية والقسوة والهمجية، لتلبية نزعات ورغبات بشرية لا يملك أحد أن يصفها بالخيرية، أما أن يدّعى أحد أن هذا هو الدين فتلك هى المشكلة.
ولكنّ هذا لا يمنعنى من النشيج والبكاء وأنا أكتب هذا الموقف، وفى نفس الوقت أتذكر الأنصار مع رسول الله بعد غزوة حنين، فبعد أن أعطى رسول الله عطايا كثيرة لقريش وقبائل العرب، لأن غزوة حنين كانت عظيمة الغنائم، ولأن مالك بن عوف الشاب الأهوج، خرج فى هذه المعركة بالنساء والأطفال والأنعام والماشية وغيرها، حتى لا يفر القوم من المعركة، فكانت سياسة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعطى الأحدث فى الإسلام بكثرة، ولم يكن فى الأنصار منها شىء، ووَجَدَ هذا الحى من الأنصار فى أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لَقىَ واللهِ رسولُ الله قومَه. فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، إن هذا الحىّ من الأنصار قد وجدوا عليك فى أنفسهم لما صنعت فى هذا الفىء الذى أَصبْت، قسمت فى قومك، وأعطيت عطايا عظامًا فى قبائل العرب، ولم يَكُ فى هذا الحى من الأنصار منها شىء. قال «فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومى. قال: «فاجمع لى قومك فى هذه الحظيرة».
نكمل غدًا ما حدث بين رسول الله والأنصار.