مشهدان لا أستطيع أن أنساهما، وهما دائما فى ذهنى وذاكرتى محفوران، وأشعر بأنهما سيظلان علامتين فارقتين فى حياتى، لأنهما كانا يمثلان دلالة واضحة لدىّ على سقوط الأنظمة وضياع السلطة وفقد الهيبة. ولعل البداية كانت فى نظام مبارك الذى يعتقد كثيرون أن نظامه سقط يوم 11 فبراير، وهو تاريخ تنحيه عن الحكم ورحيله عن السلطة وتركه لمنصبه، لكن بالنسبة إلىّ لم يكن كذلك فقد سقط النظام عندى يوم 4 فبراير. شاهدته عمليا ورأيته، فعليه لم أكن أتصور ذلك، ولكن حدث، ولو أن أحدا حكى لى هذه القصة ما صدقتها، وهى تبدأ عندما مر علىّ أحد أعضاء مجلس الشعب البارزين بالإسكندرية، وكانت مصر وقتها فى عز الثورة وفى أثناء ركوبى السيارة معه، وفى أثناء حظر التجوال وجدنا مظاهرة حاشدة تهتف ضد مبارك وتطالبه بالرحيل وإسقاط نظامه، وهنا أسرع صديقى فجأة ليتصل بالدكتور زكريا عزمى، لكى يحدثه فى ما رأى، والغريب أنه أعطى له رنة واحدة فقط أو بعبارة أخرى مجرد «ميسد كول»، وكانت الرنة كافية بأن يجرى الدكتور زكريا عزمى اتصالا به ويسأله عن الأوضاع والأحوال، ويأخذ رأيه فى كيفية إنقاذ الموقف. هنا فقط أدركت أن النظام قد سقط وانتهى، ليس لأن صديقى لا حول له ولا قوة، ولا يستطيع إنقاذ نفسه، ولكن لأن هؤلاء المسؤولين وعلى رأسهم زكريا عزمى لم يكن أحدهم يرد على أى مخلوق أو يطلب إنسانا، وعندما يرسل صديقى «ميسد كول» له فيسرع ليطلبه، فهذا يعنى إشارة النهاية ورحلة السقوط.. «ميسد كول» زكريا عزمى أن مبارك قد رحل رغم أنه لم يكتب خطاب التنحى رسميا إلا يوم 11 فبراير، وإذا كانت رنة المحمول سببا فى يقينى بسقوط نظام مبارك، فإن اعتقادى الجازم بسقوط نظام مرسى كان فى إقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، وقتها أدركت أن مرسى أخطأ هو وجماعته خطأ العمر، لأنه أقالَ من ساعده على الوصول إلى الحكم سواء بقصد أو دون، بأخطائهم أو بمؤامرات غيرهم، فى كل الأحوال إسناد المهمة للواء عبد الفتاح السيسى الذى تمت ترقيته من مرسى إلى رتبة الفريق كان بداية رحلة السقوط، وعكس كل ما يقال وقتها إنهم عينوا رجل الإخوان، كنت أعلم تماما أنه سيكون مسمار نعش الإخوان، لأنه تعلم من أخطاء من سبقوه. وأتذكر وقتها أن صديقى العزيز المهندس فرج عامر كان فى حالة قلق وضيق مستمر نتيجة عمليات ابتزاز الإخوان المستمرة، التى تتم على الشعب المصرى بوجه عام وعلى رجال الأعمال بوجه خاص، وكان يسألنى دائما هل سيرحل هؤلاء؟ وأؤكد له أن رحيلهم قريب، وظل يسألنى طوال مدة العام هذا السؤال، وأرد عليه بنفس الإجابة، حتى ظن أننى مجنون، لأن الجميع كانوا يؤكدون له أن رحيل الإخوان مستحيل، ما عدا العبد لله الذى أكد له أن الإخوان رحلوا بالفعل. قلت له ذلك عقب اجتماع نادى ضباط الشرطة عندما هتف «يسقط حكم المرشد»، هنا فقط أكدت له أن النظام قد سقط، فقد سبق هذا الهتاف هتاف مماثل فى نادى القضاة وآخر فى نقابة الصحفيين، وأصبحت السلطة القضائية والشعبية وانضمت إليهما التنفيذية كلها ضد حكم المرشد ودولة الإخوان، وبالتالى فإن الأمر قد حسم بالنسبة إلىّ، وكنت فقط أنتظر موعد الرحيل مثلما حدث مع مبارك.. إنه الدرس أن النظام لا يسقط عند الرحيل فقد يرحل النظام وهو قائم عندما يفتقد الظهير الشعبى، فلا يفلح معه «ميسد كول» زكريا عزمى، ولا توجيهات المرشد بديع.
عندما سقط النظام..
مقالات -
نشر:
4/2/2014 5:32 ص
–
تحديث
4/2/2014 5:32 ص