وسط زحام الأحداث وسيول الكلام التى لا تنقطع، والمعارك الوهمية التى تريد صرفنا عن حربنا الأساسية ضد الإرهاب.. وسط هذا كله توقفتُ طويلا عند الشهادة المهمة التى أدلى بها الأخ محمود حسان شقيق الداعية الإسلامى محمد حسان عن الأحداث التى سبقت فض اعتصامى رابعة والنهضة.
قال الرجل إنه وشقيقه وعدد من علماء الدين اجتمعوا مع ممثلى الإخوان وحلفائهم واتفقوا معهم على ثلاثة أمور هى: تهدئة الأجواء الإعلامية، وعدم فض الاعتصام بالقوة، والإفراج عن المعتقلين.
ويضيف حسان أنهم التقوا بعد ذلك المشير السيسى وكان الرد إيجابيا، حيث وافق على تهدئة الأجواء الإعلامية بشرط وقف الخطاب التحريضى من الإخوان وحلفائهم والتهديدات التى تصدر من منصة رابعة، كما وافق على عدم فض الاعتصام بالقوة بشرط فتح الطريق أمام المارة والسيارات وعدم خروج مسيرات تقطع الطرق وتثير الفوضى، أما إسقاط التهم عن المحبوسين فهى من اختصاص القضاء. ومع ذلك فإن الالتزام بما يتم التعهد به سيفتح الباب لمصالحة حقيقية.
ويقول حسان إن المفاجأة جاءت بعد ذلك حين تراجع الإخوان وحلفاؤهم عن كل ما تعهدوا به، وطلبوا إغلاق صفحة التفاوض، وأكدوا أنهم ماضون فى طريقهم، ورفضوا أى حديث عن التهدئة وحقن الدماء.
وتتزامن هذه الشهادة بالغة الأهمية، مع نشر أوراق التحقيق مع قيادات الإخوان فى قضايا التخابر والتآمر وغيرها، ومنها مكالمة مهمة بين صفوت حجازى وحازم أبو إسماعيل (فى نفس التوقيت تقريبا)، يؤكد فيها حجازى أنه مثل زملائه فى «رابعة» يحمل السلاح، ومستعدون لاقتحام «الاتحادية» والقيام بمذبحة من أجل «المعزول» ونظام حكمه الفاشى.
أيضا.. يتزامن ذلك مع تقرير الطب الشرعى الأخير الذى يشير إلى أن أول ضحايا رابعة كانوا من ضباط وجنود الشرطة. يعنى أن ميليشيات الإخوان وحلفائهم هى التى حوَّلت محاولة فض الاعتصام سلميا إلى مذبحة.
ولعل هذا هو ما كانت تخطط له منذ البداية (!!) حين تراجعت عن تعهداتها التى تجاوب معها السيسى والتى كان يمكن أن تمنع الصدام، وهو ما كشف عنه الأخ محمود حسان، وحين راكمت السلاح متوهمة أنها ستقيم من رابعة والنهضة دولة داخل الدولة، وحين وقف أقطابها على المنصة «يبشّرون»! أنصارهم بأنهم سيحوّلون مصر إلى سوريا أخرى، وأنهم سيسحقون شعب مصر الكافر، باعتبار أنهم وحدهم جماعة المسلمين!!
والقضية هنا تتعدى المسؤولية عما حدث فى رابعة وغيرها إلى الجوانب الأساسية فى عقيدة هؤلاء الخوارج الذين أعلنوا الحرب على الوطن، وحكموا على المجتمع كله بأنهم أهل جاهلية، بينما هم وحدهم أهل الإسلام البرىء مما فعلوا ويفعلون.
نحن أمام فصيل تعوَّد على الخداع وأدمن الكذب على الله والناس. ونحن أمام خوارج العصر الذين لا يقيمون لأرواح الناس وزنًا، والذين يسعدهم أن تُراق الدماء (ولو من أنصارهم المخدوعين) لكى يتاجروا بها فى سوق النخاسة السياسية.
نحن أمام فصيل لا تهمه مصلحة الوطن لأنه لا يعرف للوطنية معنى، وهو حين يقف أمام شعب بأكمله ودولة بكل مؤسساتها، فهو لا يفعل ذلك لوجه الله ولا لمصلحة الدين الحنيف، وإنما لتنفيذ «أجندة» خارجية وتعليمات لأجهزة مخابرات معادية وضع نفسه فى خدمتها منذ نشأ حتى الآن.
لقطة أخيرة قد تكون كاشفة.. فى الوقت الذى كان فيه الإخوان وحلفاؤهم يتراجعون عن تعهداتهم ويرفضون التهدئة وحقن الدماء، كان الأنصار والمخدوعون فى رابعة «يكبّرون» وفقا لتعليمات المنصة التى أخبرتهم أن البوارج الأمريكية تقترب من شواطئ مصر لنصرتهم على الشعب «الكافر».. ولعلهم ما زالوا حتى الآن ينتظرون هذه البوارج، وسيظلون هكذا حتى النهاية، لأنهم -والحمد لله- لا يتعلمون، ولأن هذا الشعب قد يتسامح فى كل شىء إلا فى فعل الخيانة.