ايجى ميديا

الجمعة , 1 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

فتاة المصنع

-  
نشر: 4/2/2014 5:15 ص – تحديث 4/2/2014 5:15 ص

ينساب فيلم «فتاة المصنع» لمحمد خان عذبًا متدفقا وساحرا كالنيل الذى ترمى فيه بطلته «هيام» وأمها بقايا شعر الفتاة الأسود المقصوص، شاهدا بليغا على قصة حب مجهَضة، رأينا فيها سندريلا شعبية تتقاطع مع سندريلا السينما والحلم سعاد حسنى، الحاضرة فى الفيلم بالغناء وبالإهداء وبالمعنى وبالمغزى، ولكن مشكلة «هيام» أنها لم تجد الفارس الذى يبحث عنه خان فى كل أفلامه.. لم يستدلّ عليه، رجل حاضر بالجسد، وغائب بالروح.

البارعة كاتبة السيناريو وسام سليمان ترسم شخصياتها بلمسات ساحرة، وتقدم مع خان قصيدة حب لا نظير لها لعالم البنات، للمرأة المصرية حفيدة إيزيس، العاشقة والصابرة، والقوية أيضا، «هيام» (الرائعة ياسمين رئيس) تعمل فى مصنع صغير للملابس الجاهزة، عالمها محدود بالمصنع وبالشارع فى الحى الشعبى وبمنزلها، فى الأماكن الثلاثة تملأ النساء الكادر رغم أنهن مهمشات فى الواقع على كل المستويات، فى المصنع بنات تحلمن بالعريس، «هيام» قَلِقَة لأنها أصبحت فى سن الحادية والعشرين، كل البنات حالمات كما فى أفلام خان، حتى غِيرَتهن طفولية، «هيام» تقع فى غرام المشرف الجديد «صلاح» (هانى عادل)، فى الشارع بنات كثيرات، تجلسن معا على الرصيف فيعاكسهن شباب الحارة، مجرد نظرات مبتورة متبادَلة، وفى البيت قافلة من النساء: عيدة (سلوى خطاب) أمّ هيام، وبسمة أخت هيام غير الشقيقة، وسميرة (سلوى محمد على) خالة هيام المطلَّقة التى أنجبت ابنة واحدة، تزور سميرة أختها وأسرتها، وتمنح هيام تجربة عمل إضافى، خادمة معها فى المنازل «عشان تحوّش قرشين ينفعوها».. فى انتظار الفارس. ولكن الفارس كان وهمًا، مشرف المصنع الذى رعته هيام فى منزله إثر أزمته الصحية، لم ولن يفهم معنى أن هناك فتاة تحب، يعتبر قُبلتها ورطة، وحنانها استغلالا، ونظراتها طمعًا، أمه تتنبه مبكرا فتصر على أن تدفع لهيام أثمان ما تفعله، مبالغ نقدية تافهة، ستلقيها هيام بكبرياء فى البالوعة.

يتسلل بنا الفيلم من بهجة الحب إلى قسوة الواقع. المجتمع الذكورى يتهم هيام بالخطيئة، النساء المغلوب على أمرهن تصبحن جزءا من إدانة هيام بما لم تفعل، جدتها تقصّ شعرها، زوج أمها يحاول قتلها، أمها تلطم وجهها، خالتها تقترح أن تفحصها الداية، أما المشرف فهو يهينها، يتعارك معها أمام «جروبى»، بينما تمر مظاهرة خلفهما تهتف بأن صوت المرأة ليس عورة.

ولكن بطلات خان قويات للغاية من أول الفتاة التى لعبتها نورا فى «ضربة شمس» إلى هيام فى «فتاة المصنع»، المرة الوحيدة التى تنهار فيها هيام عندما تشاهد الرجال وقد أحضروا حبيبها ليتزوجها قسرًا، هى لا تريد زوجا والسلام، تريد رجلا عاشقا، تسقط من بلكونتها، تتحمل إدانة الحمقى بصبر وصمت مَرْيمى (نسبة إلى مريم البتول)، حتى يبرّئها الطبيب، يثبت أن جسدها لم يُنتهك، هذا فقط ما يهم مجتمع الذكور المتغطرس، أما روحها الجريحة المنتهَكة فلا يطببها إلا النيل، تلقى بقايا شعرها فيه، تهتف أمها: «يا نيل يا كبير.. خللى جرحى يطيب»، ولأن فتاة المصنع لم تصرخ أبدا، فقد اختارت أن تكون صرختها رقصة، أوفت بوعدها، رقصت فى فرح حبيبها، قررت أن تبتسم، لا شك عندى أنها لن تتوقف عن محاولة البحث عن فارس.

رجال الفيلم لا يفهمون المرأة أصلا، يعاشرونها ويتزوجون وينجبون منها، ومع ذلك لا يفقهون معنى أنها مخلوق يحب ويشعر. صاحب السنترال الذى تعمل به «سميرة» يتحرش بجسدها، زوج «عيدة» يلومها لأنها خرجت إلى الشارع حافية القدمين رغم أنها ما خرجت إلا لكى تدافع عنه، أما النساء فى الفيلم، وفى كل أفلام خان، فهن مخلوقات حساسة للغاية، احتضان سميرة لهيام وبسمة وهن نائمات يستدعى نفس التكوين بين هند وكاميليا وأحلام الصغيرة. تتعامل البنات مع المهندس فى رحلة عين السخنة كحبيب وكطفل يستأهل أن يأكل من طعامهن. أسماء الشخصيات مبهجة رغم واقعها المرير المهزوم (عيدة وهيام وسميرة وبسمة وحسنية ونصر) حتى الجدة الشرسة تصعَب عليك عندما تذكِّرها «عيدة» بالموت، ماذا تتنظرون من امرأة وحيدة؟، نسمع فتاة فى السنترال تنتظر حبيبا هجرها وسافر. استحضار سعاد حسنى وأغانيها لم يكن فقط تحية لممثلة يحبها خان مثلما نحبها، سعاد وأدوارها تنويعة لا نهائية على نماذج محمد خان النسائية، سعاد تنوب عن هيام فى التعبير عن عالمها الداخلى، وهيام هى نفسها السفيرة عزيزة التى منحت قلبها وشفتيها لمن أحبت، عندما تقترب شفتا هيام من المهندس، يقطع خان إلى قُبلة سعاد وشكرى سرحان، حبيب السفيرة عزيزة ظل أيضا مترددا، أما حبيب هيام فقد خذلها، زوزو هى أيضا هيام ولكن بعد أن هزمت واقعها، ووجدت فارسها، وهزمت الفارق الطبقى، وهجرت مهنتها القديمة.

عين محمد خان تحوِّل العادى إلى استثنائى، الكاميرا دومًا تطل على بطلاته من زاوية مرتفعة، تتأملهن كالملاك الحارس، يتسع الكادر فى مشاهد البهجة بين البنات داخل المصنع، ثم يضيق للغاية على هيام عندما يخذلها حبيبها، يرسم الضوء لمحات من الشقاء على وجوه الأمهات، لا توجد لقطة مجانية، مروحة السقف وإبرة الخياطة والموبايل والملابس الداخلية والفساتين وحبال الغسيل لها أدوار فى التكوين والمعنى مثل كل الممثلين، ياسمين رئيس تقول بعينيها وبتعبيرات وجهها ما تعجز عنه الكلمات، الحدوتة نفسها كان يمكن أن تصنع ميلودراما رديئة، ولكن حساسية وسام وخان انتقلت بها إلى مستوى التحفة السينمائية.

تقول عيدة عن سبب كثرة البنات فى الحارة، إن هناك رجلا نوبيا كان يكره النساء، فظهرت له جنيّة أوقعته فى حبها، وتخلت عنه، وجعلت كل خلفته من البنات، وتقول عيدة إن خلفة البنات رزق، وتقول عيدة إن نساء الحارة تقلّبن الأمثال، «مش الفرح هوّه اللى بيجيب الزغاريد، الزغاريد هيّه اللى بتجيب الفرح»، قبل نهاية الفيلم تولد طفلة، أنثى جديدة تصرخ بالنيابة عن كل نساء الفيلم، تحمل معها صبر مريم، ووفاء إيزيس، وقوة خديجة، ودلال زوزو، وأحلام هند وكاميليا، وجرأة بنات وسط البلد، وحنان أم موسى، وجمال أفروديت، وتطلب من النيل أن ينصفها ويطبب جروحها.

«فتاة المصنع» يقول بأبلغ العبارات والصور: يا من لا تفقهون، الحياة امرأة، والمرأة ثورة، قلب كبير باتساع الكون، أمّنا التى نسيناها، حائكة الثوب، وصانعة الخبز، وباب الجنة، وقبل كل ذلك: صانعة البهجة والنُّصرة والعيد والحُسن والحب والجمال.

التعليقات