خيرًا فعلت الأحزاب المشكلة لجبهة الإنقاذ عندما قررت الحفاظ على الجبهة وإعادة تفعيلها فى وقت كان هناك تيار يدعو إلى إعلان تفكيك الجبهة بعد انتهاء دورها، فالمؤكد أن للجبهة دورًا تلعبه وهو دور مهم للغاية إذا ما قامت به فسوف يسجله لها التاريخ، وهو لعب دور مظلة للأحزاب المدنية تخوض تحتها الانتخابات البرلمانية القادمة لا سيما فى ظل الحديث عن نظام مختلط يجمع ما بين الفردى والقائمة.
نعلم أن جبهة الإنقاذ تشكلت كرد فعل على الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره محمد مرسى فى الحادى والعشرين من نوفمبر عام ٢٠١٢، فقد تنادت هذه الأحزاب على ما بينها من خلافات واختلافات، بضرورة التنسيق والتعاون لمواجهة مخاطر حكم المرشد والجماعة وتحديدًا بعد إصدار الإعلان، تجاوزت هذه الأحزاب التباينات الأيديولوجية من يمين ويسار ووسط، ارتفعت، ولو مؤقتًا، فوق الخلافات الشخصية، الحسابات الذاتية والطموحات الفردية.
ونعلم أيضا أن الجبهة لعبت دورًا مهمًّا فى فضح مخططات المرشد والجماعة وأوصلت الصورة إلى المسؤولين الغربيين الذين وضعوا الجبهة على جدول أعمال لقاءاتهم فى القاهرة، كما نعلم أن شباب الجبهة لعب دورًا مهمهًّا فى التحضير لثورة الثلاثين من يونيو، حشدوا لها وكانوا فى الميادين.
ونعلم أيضًا حجم التناقضات والخلافات داخل عدد من أحزاب الجبهة، بل ونعلم ميراث عدم الثقة تجاه بعض قادة الأحزاب المكونة للجبهة، ونعرف كذلك أن الحديث عن الترشح للانتخابات الرئاسية بات يفرق بين أحزاب الجبهة، رغم كل ما نعرفه فإننا نرى أن استمرار الجبهة يكاد يكون ضرورة حتمية لعبور المرحلة الانتقالية. وفى هذا السياق نقول إننا لا نحمّل الجبهة أكثر مما تحتمل، بل نطلب منها أداء دور محدد وهو التنسيق بين مكوناتها فى الانتخابات البرلمانية القادمة لا سيما فى ظل التوجه نحو اعتماد النظام الفردى إلى جانب القائمة وبنسبة أكبر لصالح الفردى تتراوح ما بين الثلثين إلى الثلاثة أرباع، وهنا تأتى حتمية دور جبهة الإنقاذ، فالأحزاب المدنية المكونة للجبهة تتسم بالضعف والهشاشة الشديدة، وإذا خاضت الانتخابات كأحزاب دون تنسيق فإنها لم تحصل على خمس مقاعد البرلمان، وسوف تذهب باقى المقاعد لممثلى القوى التقليدية فى ريف مصر وصعيدها، وتذهب نسبة إلى حزب النور ورفاقه. الأحزاب السلفية ونسبة أخرى لحزب مصر القوية الذى سوف يتحول إلى مظلة لوجوه غير معروفة من جماعة الإخوان. محصلة كل ذلك هى عدم وجود كتلة لها أغلبية برلمانية أو حتى أكثرية يمكن أن يتحدث إليها رئيس الجمهورية القادم ويتفاهم معها لتشكيل الحكومة الجديدة، وخطورة هذا الموقف المتوقع فى حال غياب جبهة الإنقاذ أو فشلها فى إبرام ائتلاف انتخابى تتمثل فى إفشال الرئيس الجديد وإعاقة جهوده فى تشكيل حكومة قوية تعمل معه يكون وراءها برلمان قوى، والخطورة الأكبر هى مبادرة الوجوه التقليدية وممثلى أحزاب قديمة وجديدة إلى الدعوة لتشكيل حزب سياسى جديد يجرى الترويج له باعتباره حزب الرئيس الجديد أو الحزب الذى سيعتمد عليه الرئيس الجديد، باختصار سيكون حزب السلطة، ومن ثم يركض كل منتفع طامح فى منصب وطامع فى ذهب المعز إلى دخول الحزب مع حملة نفاق للرئيس الجديد الذى قد يجد نفسه مضطرًّا إلى التعاون مع هذا الحزب الجديد ليس حبًّا فى هذا التوجه ولا إعجابًا بالوجوه التقليدية ولا حملة النفاق، بل قد يكون ذلك اضطرارًا من أجل تشكيل حكومة قوية تعمل معه لتنفيذ الخطط التى وضعها للتعامل مع الملفات الملتهبة فى البلاد، وما أكثرها وأثقلها! وإذا ما تحقق ذلك فسوف يعاد استنساخ تجربة الحزب الوطنى فى أسوأ صورها ومراحلها، وتحديدًا بعد عام ٢٠٠٥، ولتجنب هذا الاحتمال الكارثى، يأتى دور جبهة الإنقاذ التى بمقدورها وحدها مواجهة هذا الاحتمال عبر اتفاق كل مكوناتها على التنسيق الكامل فى الانتخابات البرلمانية وتحديدًا على المقاعد الفردية، بحيث تقدم هذه الأحزاب مرشحا واحدا فقط على المقعد الواحد، فى هذه الحالة يمكن لأحزاب الجبهة أن تحصد، إن لم يكن أغلبية، فأكثرية مقاعد البرلمان، ومن ثم تكون لها كلمة مهمة فى تشكيل الحكومة الجديدة وتوفر للرئيس الجديد فرصة العمل والنجاح.
نعم خيرًا فعل قادة الجبهة بإعلان الإبقاء عليها ويتبقى لهم الخطوة الأهم، وهى الوصول إلى ائتلاف انتخابى أو حتى تنسيق على المقاعد الفردية فقط، فهل ينجح قادة أحزاب الجبهة فى ذلك؟ نأمل.. فالبدائل خطرة للغاية.