عشرات الفرق والدويلات والخلافات الإسلامية قامت على الحروب بين الفرقاء، العلويين - الأمويين - العباسيين - الفاطميين - الأيوبيين - العثمانيين - الأغالبة - الأدارسة - المرابطين - الموحّدين - الصفويين - السلاجقة - البربر - الحفصيين - الإخشيديين - الزيديين - المهديين - المعنيين - الطولونيين - بَنى قتادة - بنى زنكى - بنى حماد - بنى مرين - بَنى وطاس - بنى طاهر - بنى زيان - بنى مرداس - بنى صالح - بنى زيرى.. إلخ. تاريخ كل هذه الخلافات والجماعات هو تاريخ اقتتال بين فرقاء بحجة حماية الدين، أو باعتقاد أنها الفرقة الناجية الوحيدة.
وها هى حرب تكسير العظام تبدأ بين رجل الدين التركى البارز الواسع النفوذ المقيم فى بنسلفانيا فتح الله غولين، ورجب طيب أردوغان، بعد أن دانت لهم تركيا بتقليص سلطة الجيش وإضعاف العلمانية، وإخضاع القضاء وأسلمة قطاع كبير من التعليم، وكان الطبيعى بعد ذلك أن تبدأ الحرب بينهما على سنة ومنهاج كل الإسلاميين. أردوغان الذى وصل غروره إلى القمة التفت إلى ولىّ نعمته غولين لتقليص نفوذه فى تركيا، فرد له غولين لكمة بلكمة أفقدته صوابه، وبدأ أردوغان مهلوسا عن المؤامرة الخارجية الأمريكية لإسقاط حكمه، وهو يعلم جيدا أنه هو وغولين معا صناعة أمريكية، وهو يعلم أنه لولا مساندة غولين ما نجح ووصل إلى ما هو فيه، وهو يعلم كذلك أن حلمه بقيادة ما يسمّى بالإسلام المعتدل فى الشرق الأوسط هو مشروع أمريكى أساسا. أردوغان الذى أحسّ أنه أصبح عند قادة نافذين فى الغرب ورقة محروقة، وأن مشروعه فشل منذ أن بدأ يتبجح فى وجه إسرائيل، وبعد ذلك يتعثر فى سوريا ويسقط فى مصر، هو الآن يتبجح فى وجه الجميع معتمدا على غروره وشعبيته التى صنعها بين شريحة من الريفيين المحافظين فى تركيا، وبين المستفيدين من البلونة الاقتصادية التركية، ولكن لا يفل الحديد إلا الحديد، وها هو رجل أكثر شعبوية منه وأكثر كرامة دينية منه بدأ فى مبادلته اللكمات لإسقاط هذه الشعبية التى ساهمت آلة غولين الإعلامية والتعليمية فى صنعها لأردوغان. خلاصة الحرب الدائرة الآن بين الرجلين فى تركيا تقول لنا إن الحرب بين الإسلاميين هى محور التاريخ الإسلامى كله، وتقول كذلك إن المراهنة على ما يسمى بالإسلامى المعتدل هو رهان خاسر بالتأكيد، فكل إسلامى هو متطرف بحكم التعريف وبحكم المتاجرة بالدين وبالدم، وتقول أيضا إن الغرب الذى عرف جيدا كيف يوظف الإسلام السياسى والجهادى لديه مفتاح التخلص من شخصياته عندما يرغب فى ذلك. التجربة التركية ليست تجربة خاصة، وأردوغان ليس استثناءً فى تاريخ الإسلام السياسى فهو شرب من نفس الآبار المسممة التى شربوا منها جميعا، ونهايته لن تختلف عن نهاية مَن سبقوه من الإسلاميين.
مجدى خليل