ستظل موقعة الجمل جزءًا مهمًّا فى ثورة 25 يناير.
فهى الفارقة فى هذه الثورة.
فارقة بوقائعها.. ومتهميها.. ومحرّضيها.. وبخطاب مبارك العاطفى الذى كان كلمة السر لقيام بلطجية الحزب الوطنى الفاسد المنحل بعملية فصل ميدان التحرير (وقد جرى ذلك فى ميادين المحافظات.. لكن لم يسلَّط عليه الضوء، نظرًا لدراما الجمل والخيل فى ميدان التحرير).
وقد كشف خطاب مبارك ليلة الموقعة النفاق والتدليس الذى كان يمارسه الإعلام الحكومى والخاص، وإن كان بعضهم تحوّل فى ما بعد إلى ما يدّعيه من ثورية أكثر من ثوار التحرير أنفسهم.
كما كشفت الموقعة التواطؤ الذى مارسه معاشات المجلس العسكرى الذين ادَّعوا حماية الثورة.. وهم الذين سمحوا بدخول بلطجية النظام إلى الميدان للقضاء على الثورة والثوار.
وقد بدأ هذا العمل مبكرًا صباح يوم الأربعاء 2 فبراير وقبل تجمع أنصار النظام والحزب الوطنى الفاسد فى ميدان مصطفى محمود قبل انتقالهم إلى ميدان التحرير.. حيث جرى ترهيب الإعلام الذى كان يغطّى فى المناطق المطلة على الميدان.. وطرد المراسلين الأجانب، وذلك بإشراف قوات من الشرطة العسكرية وأمن الدولة ووزارة إعلام أنس الفقى الذى كان قابعًا فى مبنى التليفزيون يدير العملية إعلاميًّا ويرسل أتباع النظام إلى القنوات الفضائية لنشر السموم ضد الثورة والثوار فى محاولات إجهاض الثورة.
وقد شاهدنا مَن يبكى من الإعلاميين فى برامجهم.
وقد شاهدنا من يهدِّد الثوار.. ويطالبهم بالعودة إلى البيوت.
وهناك مَن حذّر من وجود الجيش فى الشارع.. وشَغْله بالثورة عن حماية الحدود.. وأن الموضوع انتهى واستجاب مبارك إلى مطالب الثوار.. «فماذا يطلبون بعد ذلك؟!».
وأظهرت جريمة موقعة الجمل الشخصيات التى كانت مترددة بالنسبة إلى الثورة على مبارك واستبداده وفساده وعصابته فى الداخلية التى كانت تمسك العصا من المنتصف وتحاول أن تكون من الحكماء مرة مع النظام وأخرى تنظر إلى التحرير والثوار.. ومن تلك الشخصيات مَن سعى أن يكون رئيسًا للبلاد.
وأظهرت موقعة الجمل مدى استبداد نظام مبارك واستعباده للشعب هو وعائلته وعصابته من رجال أعمال وسياسيِّيه الفاسدين وبلطجيته فى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وذلك أمام العالم كله.. حتى يخرج قيادات العالم الغربى بمن فيهم الرئيس الأمريكى أوباما الذى كانوا يرون فيه حليفًا لهم، مرددين شعارات التحرير.. «ارحل.. ارحل»، وأن يقولها أوباما مخاطبًا مبارك «ارحل الآن.. والآن يعنى أمس».
فقد سقط غطاء دعمه من الغرب بعد جريمته فى حق الشعب التى أشرف عليها أفراد عصابته من السياسيين الفاسدين وبلطجية وزارة داخلية حبيب العادلى.
فلولا موقعة الجمل وبلطجية رجال مبارك.. لما نجحت الثورة.
فقد أصر الثوار على ثورتهم وأصروا على رحيل مبارك.
ويسقط حسنى مبارك.
وتبدأ مفارقة موقعة الجمل فى التحقيقات التى تضمّنت شخصيات سياسية شاركت فى فساد مبارك السياسى والمالى، وحرّضت بلطجية الحزب الوطنى على القيام بقتل المتظاهرين فى ميدان التحرير.. وميادين مصر.. ويسقط بعض الشخصيات الأخرى من الاتهامات التى شاركت ودفعت أموالًا من مؤسسات حكومية (فيها مؤسسات صحفية) لبلطجية وموظفين فى تلك المؤسسات لحشدها فى ميدان مصطفى محمود وتوجهها بعد ذلك إلى ميدان التحرير لقتل المتظاهرين.
وتتقاعس أجهزة الدولة فى تقديم الأدلة التى تظهر الفاعلين رغم أن تلك الموقعة كانت على الهواء مباشرة. ولدى كل الأجهزة الأمنية تسجيلات لها.. ويعرفون مَن كان وراء الاعتداء، حيث كان مشاركون منهم فى الاجتماعات للقضاء على الثورة.. والحفاظ على نظام مبارك وعصابته.
وتأتى مفارقة المحاكمة.. وبكاء من ادَّعَوا البطولة من المتهمين الذين كانوا يعملون لصالح مبارك ونظامه ومَن هربوا.. واختفوا.. وعجز السياسيين الذين كانوا يريدون البقاء أبدًا فى السلطة مع مبارك.
ويصدر الحكم بشكل مفاجئ فى نهاية أقوال الدفاع ولم يحجزها القاضى للحكم.. وإنما فاجأ الجميع بأحكام براءته.. مستندًا إلى شهادة أحد الجنرالات من الذين كانوا وصمة عار فى الثورة وفى الميدان، والذى اطمأنت المحكمة إلى شهادته مع أنه وزملاءه جنرالات المعاشات الذين أداروا شؤون البلاد متهمون أيضًا بقتل المتظاهرين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية واستبعاد شهادة شهود الإثبات باتهامهم فى الحكم بأنهم من مسجلى الخطر!
ولعل المفارقة أن المتهمين أنفسهم متهمون بالفساد السياسى مع مبارك والكسب غير المشروع ونهب أموال البلاد.. واستغلال النفوذ.. ناهيك بتزوير الانتخابات ووضع قوانين سيئة السمعة.
فهم متهمون رغم حكم البراءة.
ولن ينسى الشعب هؤلاء أبدًا.. فقد أجرموا فى حقّه.. إنها مفارقات غريبة!
«تُنشر للمرة الثانية بمناسبة ذكرى موقعة الجمل»