نعرف جيدًا أن «إخوان المولوتوف» وأنصارهم فى الإرهاب ما كان لهم أن يستمروا فى جرائمهم حتى الآن، لولا ما يتلقونه من دعم القوى الخارجية لهم بالمال والسلاح وبالدعم الإعلامى والسياسى.
ونعرف جيدًا أن الصغار من حكام قطر والموكوس الذى يحكم تركيا وغيرهم من الأذناب الصغار ليسوا إلا أدوات فى يد من يحركهم، وأن أيًّا منهم ربما لا يستطيع أن ينتقل من غرفة إلى أخرى فى منزله قبل أن يستأذن أولياء الأمر فى واشنطن أو مندوبيهم فى السفارات أو القواعد العسكرية الأمريكية التى يحتمى بها هؤلاء الحكام الصغار من شعوبهم!
ونعرف جيدًا صعوبة أن تنسى أمريكا الصفعة التى تلقتها على يد شعب مصر فى 30 يونيو الماضى. فلم يكن الأمر يتعلق فقط بسقوط نظام عميل كان مستعدًا لأن يعمل «عجين الفلاحة» لكى ترضى عنه واشنطن، وكان يملك من الخسة والفجور أن يرضى ببيع الوطن والتنازل عن الأرض وضياع الاستقلال من أجل أن يأخذ شهادة الاعتماد من أمريكا، وأن يتم الزواج الرسمى من أجهزة مخابراتها، بعد سنوات طويلة من العلاقة فى السر أو فى الحرام!
لم يكن الأمر يتعلق بذلك فقط، بل كان أيضًا يتعلق بانهيار الاستراتيجية التى اعتمدتها واشنطن للسيطرة على المنطقة ولتحويلها إلى بؤرة للصراع الدينى والمذهبى، الذى ينشر الخراب فى العالم العربى، ويترك لأمريكا وحلفائها السيطرة على مقدراته لعقود طويلة قادمة، واستخدام ذلك فى صراع تستعد له أمريكا مع المارد الآسيوى، الذى أصبح يهدد ما تبقى لها من نفوذ سياسى واقتصادى وعسكرى.
لكن الأخطر أن 30 يونيو قد وضعت الإدارة الأمريكية فى موقف لا تحسد عليه، حيث ظهرت وهى فى «حالة تلبس»، فى علاقة غير مشروعة مع جماعات الإرهاب التى صدعت رؤوسنا بأنها تخوض حربًا لا هوادة فيها ضدها! حرب فعلت ما فعلت بأفغانستان، ودمرت العراق، وأودت بحياة مليون من أبنائه، وذهب فيها أيضًا عشرات الألوف من الجنود الأمريكيين، لينتهى الأمر بعد ذلك بالاتفاق مع الجماعات الإرهابية (من الإخوان إلى القاعدة) ومحاولة تسليمهم حكم البلاد العربية! وبالصلح مع إيران التى كانت شيطانًا فتحولت إلى ملاك! واعتبار كل ذلك هو غاية المراد من رب العباد، والنتيجة المثلى للحرب ضد الإرهاب، الذى أصبح فى نظر الإدارة الأمريكية هو «الشرعية» التى يتحالف معها ويقاتل فى سبيلها!
لهذا كان الرئيس الأمريكى أوباما صادقًا (على غير عادته!) حين قال إن العلاقة مع مصر بعد 30 يونيو لن تعود أبدًا كما كانت قبلها! وعلى مدى الشهور السبعة الماضية ناورت واشنطن ومارست الضغوط، ولعبت بكل الأوراق لتؤكد دعمها جماعة الإخوان، ولتثبت تواطؤها معها. ورغم كلمات دبلوماسية أو تقسيم للأدوار بين مؤسسات الحكم فى واشنطن، فإن الحقيقة تقول إن الإدارة الأمريكية لم تغادر منطقة العداء لثورة 30 يونيو، والوقوف مع الإخوان ودعمهم، حتى بعد أن أدركت أن الماضى لن يعود، وأن كل ما تأمل به أن تستخدم عملاءها من الإخوان وأنصارهم من عصابات الإرهاب للضغط على مصر، ولتعطيل خطواتها نحو بناء النظام الجديد الذى تعرف واشنطن جيدًا أنه لا يمكن أن يقوم إلا على استقلال وطنى حقيقى، وإرادة شعبية يساندها جيش وطنى، كانت واشنطن تأمل فى أن يتم تدميره أو يكون عميلًا لها، دون إدراك بأن هذا الجيش لن يكون أبدًا إلا جزءًا أصيلًا من الحركة الوطنية المصرية.
ما يحدث أمامنا يقول إن «الإخوان» وباقى الجماعات الإرهابية ليسوا إلا أدوات فى يد أجهزة المخابرات الأمريكية، وأن الأذناب من حكام قطر وتركيا ليسوا إلا منفذين لأوامر واشنطن وتفاهماتها مع الحلفاء الأوروبيين. وأن الضغوط على الدول الإفريقية وحتى الأشقاء العرب هى جزء من مؤامرة كان الأخوة فى السعودية والإمارات أول من فضحها، حين أعلنوا غداة 30 يونيو مباشرة أن مصر تتعرض لمؤامرة، وأنهم سيكونون معها.. وقد فعلوا.
يبررون مواقفهم بأنهم يخشون من تكرار تجربة الخمسينيات والستينيات التى دفعت أمريكا فيها ثمنًا فادحًا، ولا يسألون أنفسهم: هل بادرتهم مصر يومها بالعداء؟ أم أنهم هم الذين أصروا على محاصرتها ومنعها من النهوض والتحرر وتآمروا عليها كما يحدث الآن؟! وهل كان علينا أن نرضى بحكم فاسد أو بفاشية دينية لأن أمريكا أرادت ذلك؟!
تتصور واشنطن أنها قادرة على المناورة لاكتساب الوقت حتى تعيد الأمور إلى ما كانت عليه! وتتوهم أن الضغوط ستمكنها من إنقاذ عملائها فى مصر والمنطقة، ومن ستر ما انكشف فى «حالة التلبس» التى ضبطت بها فى 30 يونيو!
نقول لها: ما حدث فى 30 يونيو كان انتصارًا لإرادة شعب، انحاز لها جيش مصر الوطنى، وما كان له أن يفعل غير ذلك بحكم تاريخه.
وحين تتوحد إرادة الشعب وينحاز لها الجيش فى مصر، فعلى أمريكا أن تعيد حساباتها، وأن تنسى للأبد حكاية أن 99٪ من أوراق اللعبة فى يدها، وأن توقف ما تفعله الآن (بطريق مباشر أو باستخدام عملائها)، لأن مصر لن تنسى.. ولن تغفر.