ما دامت رئاسة الجمهورية طرحت مشروع قانون الانتخابات الرئاسية للحوار المجتمعى، فإننى أقترح عليها إضافة نص يلزم المرشحين بالكشف عن ثرواتهم ومصادرها أمام الشعب، وعدم الاكتفاء بتقديم إقرار ذمة مالية للجنة المشرفة على الانتخابات، الذى يتم ركنه فى العادة داخل أدراج المكاتب، ويظل المواطنون لا يعرفون شيئًا عن ممتلكات رئيسهم القادم، وكيف كوّنها وحصل عليها، وهل يكفى دخله لامتلاكها أم لا.
هذا الأمر ليس تشكيكًا فى ذمة أى مرشح محتمل، لكننا عانينا لسنوات طويلة من عدم معرفتنا بثروات الرؤساء، ويكفى أننا حتى الآن ورغم مرور ثلاث سنوات على تنحى مبارك، لا نعرف ما ممتلكاته الحقيقية هو وأولاده؟ ولم يقل لنا أحد ماذا يحتوى إقرار الذمة المالية الذى قدمه فى أول ولاية له عام 1981؟ وماذا كتب فى إقراره الأخير قبل إجباره على ترك الحكم؟ هذا إذا كان يقدم إقرارات الذمة المالية إلى الجهات المعنية بالفعل خلال فترات توليه الرئاسة، التى وصلت إلى ست مدد متصلة. نفس الأمر تكرر مع محمد مرسى، الذى لم يكشف عن ممتلكاته هو وأسرته قبل انتخابه رئيسًا، ولم نعرف ماذا أضيف إليها خلال عام حكمه، ولو كان هذا الإلزام موجودًا فى قانون انتخابات الرئاسة السابقة لعلمنا هل تضاعفت ثروة مرسى وأبنائه أم لا، ومن أين أتى ابناه بالأموال التى بعدة ملايين ونشرت الصحف أنه تم تحويلها إلى حسابه بأحد بنوك السعودية أو تهريبها إلى هناك؟
ولو كان مبارك بادر وكشف عن ممتلكات أسرته للشعب فى بداية رئاسته، لكنا عرفنا الآن ما طرأ عليها من تغيرات خلال الثلاثين عامًا، التى اعتلى فيها حكم البلاد، وتحكم فى مقدراتها، خصوصًا فى السنوات العشر الأخيرة من حكمه، التى تداخل فيها البيزنس مع السياسة من خلال المجموعة التى أحاطت بجمال مبارك، ولتأكدنا من مصادر ثروته هو وشقيقه الأكبر علاء، وكيف كوناها، وهل جاءت بطرق شرعية، أم حامت حولها شبهات استغلال النفوذ؟ أو من خلال بعض الثغرات القانونية.
لا أدرى ما الحقيقة من المبالغات فى ما ينشر عن ممتلكات مبارك ومرسى، ولهذا فإن إلزام الرئيس المقبل بالكشف عن ثروته يعفيه من هذه الاتهامات مستقبلًا، ويجعله يبدأ عهده بشفافية تزيد من ثقة الجماهير فيه،
والأهم أنه يجعل الشعب يعرف كثيرًا عن رئيسه القادم، ومدى ثرائه وكيف حصل على أمواله، وهو أمر سيكون مهمًا فى اختيار الشعب بين المرشحين، كما أنه يعطيه الفرصة لمحاسبته، وتتبع تنامى ثروته طوال وجوده فى السلطة.
هذا الأمر ليس بدعة، وهو موجود فى أمريكا وأوروبا، حيث يعلن كل رئيس عن ممتلكاته، ولا يستطيع أن يرفض أو يتغافل عن ذكر بعضها، أو أن يجعل أحد أولاده يشترى ديون بلده مثلما فعل جمال مبارك فى أثناء عمله فى أحد البنوك البريطانية قبل عودته إلى مصر وانشغاله بالسياسة، أو أن تكون أموال دعاية محمد مرسى مجهولة الهوية أو بعض تحويلات أموال أبنائه غير معلومة المصدر، السادة الراغبون فى الترشيح اكشفوا عن ثرواتكم وأملاككم، حتى إذا لم يلزمكم القانون بذلك، وكونوا قدوةً لباقى المسؤولين فى هذا الاتجاه، فهذا أمر لن يضركم، لكنه سيفيد الوطن، أما من يرى أن الكشف عن ثروته سيوقع به ضررًا، فعليه الامتناع عن الترشح، وليتمتع بأمواله كما يشاء بعيدًا عن متاعب وتبعات المنصب.