ليس من حقك أن تطالب بمنع ترشيح السيسى أو غيره فى الانتخابات الرئاسية ما دام أن شروط الترشح تنطبق على أى منهم! أقصى ما لديك هو أن ترفضه وأن تحرمه من صوتك، وأن تنتقده أقصى انتقاد يسمح به القانون، وأن تُروِّج لمن تراه أصلح وتطلب له فرصة متكافئة، وأن تُصرّ على الالتزام بإعمال القانون والضوابط، وأن تطالب برقابة داخلية وخارجية وبكل ما يضمن النزاهة والحيدة والتنافسية، ولك أن تمارس كل هذا وغيره فى حماية القانون من أن تتعرض لأى أذى ما دمت لا تأتى ما يُعَرِّضُك للمساءَلة القانونية.
هذه هى روح الثورة التى خرج لها المصريون، ولا يجوز أن يلعب البعض الثلاث ورقات لتمرير غير ذلك!
مطلوب أن يعيش الشعب والنخب السياسية والمثقفة حلم أن يكون لنا انتخابات رئاسية، ثم يليها انتخابات برلمانية، ثم انتخابات للمحليات، تنافسية حرة نزيهة يذهب فيها الناخبون إلى صناديق الاقتراع على الطريقة المصرية بالرقض والغناء، آمنين من الإرهاب ومن التزوير ضامنين أن النتيجة ستعبّر عن الإرادة الحرة للشعب وأنه يجب إنفاذ هذه الإرادة فوراً دون إبطاء.
والحقيقة أن الملاحظة الجديرة بالتوجيه ليست لمن يرفضون السيسى صراحة، سواء كانوا عن موقف ثابت أو حتى إذا كانوا من مدمنى تبديد الفرص، وإنما لبعض ممن يتدافعون الآن بكل همة لكى يتصدروا مشهد المؤيدين له، وهؤلاء لا يخجلون! فقد كانوا مع مبارك صراحة يدافعون عن كل جرائم حُكمه، وعندما كانت تفوح رائحة الكوارث كانوا يتطوعون بالتأكيد على أنه ليس على علم بأى من هذا وأنه إذا علِم لانتفض وزأر ومنع وتصدى، لأنه، كما قالوا أيامها وكتبوا، من أشرف من حكم مصر..إلخ إلخ، وظلوا على تأييدهم له حتى عندما هبّت ثورة يناير، ولم رأوا أن الميزان يختلّ، أو قل رأوه يعتدل لصالح الثورة، طالبوا بمنحه فرصة لإكمال ولايته ليقوم بالإصلاحات المطلوبة، ثم عندما تمكنت الثورة من الإطاحة به، كانت المفاجأة أن يذهب بعض هؤلاء إلى ميدان التحرير محمولين على أكتاف الأجراء مسجلين المشهد بالكاميرات والميكروفونات ليكون لهم دليل على مشاركتهم فى الثورة، ولا مانع لديهم من اللعب قليلاُ فى التواريخ ليمنحوا أنفسهم أسبقية فى المشاركة قبل غيرهم!
هؤلاء أنفسهم هم من دافعوا عن تجربة طنطاوى وعنان وكانوا عوناً على الدفع بالثورة فى دوّامة استنزفت الكثير ودفع فيها الشعب ضريبة باهظة!
ولما سطا الإخوان على الثورة، كان موقف هؤلاء المعلَن والمسجل أن رأيهم كان دوماً أن الإخوان فصيل وطنى تعرّض للاضطهاد عبر تاريخه وأنه لولا ذلك لقامت الجماعة بدور رائع فى تاريخ مصر وفى حياة المصريين!
لا يجوز ياسيسى أن يكون هؤلاء ضمن مؤيديك! لأن هناك تحديات صعبة تواجهك، وأهم ما يجب أن يتحلى به خطابك وسياستك هو الصدقية، وهؤلاء أخطرمن يلوِّث صدقية الأنبياء!
لقد بدأت مبكراً ماكينات التملق الرخيص فى حبّ السيسى حتى قبل أن يُعلن رسمياً عن موقفه، وراح هؤلاء يشيعون أنه ليس فى حاجة إلى برنامج انتخابى لأنه قدَّم السبت والأحد وضَمِنَ التأييد الجماهيرى الساحق!
وهذه أكبر إساءة للدور التاريخى الذى قام به السيسى ورفاقه فى مؤازرة الموجة الثورية فى 3 يوليو وما بعدها، كما أنها أكبر تجريح يطال نتيجة الانتخابات ويطعن فى نزاهتها قبل أن تبدأ أولى خطواتها، وهذا ما لا يريده من يحبون السيسى حقاً ومن يؤيدونه عن اقتناع أنه خير اختيار لمصر فى هذه المرحلة.
أول تحديات السيسى أن ينفض يديه من هؤلاء وان ينظف المشهد من مناظرهم، وأن يعلم أن إدارته للانتخابات الرئاسية هى أهم وأخطر ما مرّ به فى حياته، على مستواه الشخصى وعلى مستوى استقرار مصر، وأن التالى أصعب، وأن أولى الخطوات البرنامج الانتخابى الواضح بتفاصيله، والتى منها أن يستجيب لمخاوف قطاعات عريضة من أن ترتد شعارات الثورة، التى أقرّ الدستور بعضها، حول الحكم المدنى، الذى يتعارض مع هواجس عسكرة البلاد مجددًا بعد تجربة 60 عاماً خلص الشعب منها إلى وجوب أن يكون الحكم مدنياً، وهذا يتطلب تصحيحًا قويًا لما قيل إن المجلس العسكرى فوّض السيسى، ومرة أخرى إنه رشحه، للرئاسة! فليس من حق المجلس أن يفوِّض ولا أن يُرشِّح! ويتداخل مع هذا ضرورة أن يحدد السيسى موقفه من انحياز أجهزة الإعلام له، خاصة المملوكة للدولة، وأن يطلب منها الحياد، وأن يعمل على تحقيق ذلك.
ومن المهم، وهذا مطلب عاجل، أن يكون له موقف واضح من عمليات القبض الواسعة على الشباب المعارضين له ممن يتظاهرون سلميًا، ففى هذا إحقاق لحق طالبت به الثورة ودفعت ثمنه غالياً، كما أنه تعبير جاد عن وعود السيسى وما سيلتزم به مستقبلاً.