من بين أبرز مهام النظام الجديد فى مصر اتخاذ خطوات جادة نحو تطبيق العدالة الاجتماعية فى مصر، وبقدر ما يتبنى النظام الجديد مكونات العدالة الاجتماعية ويحققها على الأرض، بقدر ما تتصاعد شعبيته فى الشارع من ناحية وتتهاوى المشكلات والتحديات التى عصفت بالنظام السابق، وبإمكانها أن تعصف بأى نظام.
العدالة الاجتماعية فى أبسط معانيها هى تبنى سياسات لدعم ومساندة الفئات الضعيفة فى المجتمع، والأخذ بيدها وتوفير احتياجاتها الأساسية على النحو الذى يمكّن هذه الفئات من الحصول على هذه الاحتياجات. وتحقيق العدالة الاجتماعية هى أبرز وأهم مهام الدولة. وتعد قضية العدالة الاجتماعية فى مصر اليوم من أبرز القضايا المطروحة على الساحة، وتعنى بالنسبة للمصريين أربعة مكونات أساسية هى توفير مسكن صحى مناسب، ورعاية صحية مجانية، وتعليم مجانى جيد، وأخيرا حد أدنى للأجور يمكّن المواطن المصرى من الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأسرته. وتتضح أهمية تطبيق سياسات العدالة الاجتماعية فى بر مصر، عندما نعرف أن نحو ٤٠٪ من أهل مصر يعيشون تحت وحول خط الفقر، فهناك نحو ٢٨٪ من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وما يزيد على ٢٠٪ منهم يعيشون فوق خط الفقر مباشرة «خط الفقر عالميا هو ٢ دولار يوميا». هذه النسبة لا تتوافر لها متطلبات الحياة الأساسية، وفى حالة عوز دائم، منها من يعيش فى القبور والعشوائيات، ومنها أيضا من ينتحر لعدم قدرته على توفير متطلبات العلاج لنفسه ولأفراد أسرته، ومنها أيضا من يتلقى تعليما عامّا ويخرج كأنه لم يتلق أى قدر من التعليم.
تعانى هذه الفئة من ظلم تاريخى تعرضت له، فبعد سياسات العدالة الاجتماعية التى طبقها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جاء السادات وسلبها حقوقها الأساسية وتراجع عن سياسات العدالة الاجتماعية ودفع بها إلى قاع المجتمع، ثم جاء مبارك فأجهزَ على ما تبقى لهذه الفئة من حقوق وحرمها من حقوقها الأساسية، ومنها الحق فى الحياة، عندما أجهز على العلاج المجانى فى المستشفيات العامة، وأفرغ التعليم العام من كل محتوى حقيقى، وتوقفت الدولة عن تبنى سياسات دعم هذه الفئة. أهمل مبارك هذه الفئة، بل دفع بشرائح من الطبقة الوسطى إلى أسفل، فباتت ضمن الفئة التى تقع حول خط الفقر، دلل فئة رجال أعمال لا سيما الفاسدين منهم، فازداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا. ورغم أن الشباب الذى فجر ثورة الخامس والعشرين من يناير ينتمى بالأساس للطبقة الوسطى التى لا تعانى مشكلات اقتصادية حادة، وكان همها الأساسى الكرامة والحرية، إلا أنها رفعت شعارات العيش والعدالة الاجتماعية، لأنها تؤمن بقيمة العدالة الاجتماعية من ناحية، وتتطلع إلى وقف نهب ثروات البلاد وإعادة توزيع إنفاق الدولة على نحو أكثر عدلا وإنسانية.
ثار المصريون وأسقطوا نظام مبارك بعد ثلاثة عقود من الظلم والاستبداد والتدهور الشامل فى قدرات الدولة، وكرروا الثورة على حكم المرشد والجماعة بعد عام بالكمال والتمام، وأطاحوا به بنفس شعارات ثورة الخامس والعشرين من يناير، إضافة إلى شعارات الهوية والمواطنة والدولة التى غابت تماما فى زمن الإخوان. ثار الشعب المصرى مجددا طلبا للحرية والكرامة، ثار دفاعا عن الهوية الوطنية والدولة المصرية، ثار من أجل بناء نظام جديد يحقق له الحرية والعدالة الاجتماعية، تطلع إلى القوى السياسية المدنية كى تلعب دورها فى بناء نموذج ديمقراطى حقيقى، التفت حوله بحثا عمن يقود البلاد فى المرحلة القادمة، راقب، تأمل ثم قرر أن يكون القائد العام للقوات المسلحة هو من يقود البلاد، من هنا جاءت النداءات المتكررة لوزير الدفاع كى يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، وفى الوقت نفسه هو من يرسى له مبادئ العدالة الاجتماعية المفتقدة فى بر مصر. والسؤال كيف يحقق الرئيس القادم العدالة الاجتماعية فى ربوع البلاد؟ ذلك ما سوف نتناوله بعد غد إن شاء الله.