حسم الرئيس عدلى منصور الجدل، وتقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية. قال الرئيس منصور إن ذلك جاء استجابة لمطالب غالبية القوى السياسية التى تم التشاور معها، والتى رأت أن المخاطر التى يتعرض لها الوطن تستلزم هذا التعديل فى ترتيب استحقاقات الفترة الانتقالية.
ولا شك أن هذا التعديل كان أمرا حتميا فى ظل تطورات الموقف، حيث قوى الإرهاب بقيادة «الإخوان» تخوض معركتها الأخيرة بكل شراسة، وحيث القوى الخارجية الداعمة لها تواصل الضغوط على النظام فى مصر فى محاولة يائسة لإعادة الماضى أو لوقف تيار الثورة من استكمال الطريق. ولا شك أن هذه القوى سوف تفعل المستحيل لوضع العقبات أمام الخطوة القادمة وهى انتخابات الرئاسة، ولست أشك أيضا فى أنها ستفشل كما فشلت فى معركة الاستفتاء التى حسمتها الملايين التى خرجت تتحدى إرهاب الإخوان وحلفائهم، وتكتب سطرا جديدا ورائعا فى كتاب الثورة.
وما يهمنا هنا أن تكون انتخابات الرئاسة «وبعدها انتخابات البرلمان» خطوة على الطريق الصحيح.. ليس فقط لتنفيذ الاستحقاقات الدستورية، ولكن أساسا -وقبل كل شىء- لتثبيت أركان الثورة وتحقيق أهدافها فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطنى.
وقد قلنا منذ أن أسقط الشعب والجيش الحكم الإخوانى الفاشى، إن علينا أن لا نكرر أخطاء المرحلة الانتقالية الأولى التى انتهت بسرقة الإخوان لثورة الشعب وقيادتهم مصر نحو الكارثة، التى لم تكتمل بفضل عون الله ووعى شعب مصر العظيم. وبالتالى فإن النقطة الأساسية التى ينبغى أن تكون أمامنا فى كل خطوة نخطوها هى أن هذه الفترة الانتقالية الثانية التى نمر بها سوف تنجح عندما تنتهى بأن تصل قوى الثورة الحقيقية إلى الحكم، وحين نبدأ فى العمل الجاد والشاق لتعويض ما فات، ولإصلاح ما فسد، ولبناء الدولة الحديثة بالعلم والعمل، وتحسينها بالعدل والديمقراطية.
وهذا بالضبط ما يخشاه أعداء مصر والمتآمرون عليها فى الداخل والخارج. ولهذا يطلقون علينا عصابات الإرهاب ويدعمون ميليشيات الإخوان، ويمارسون كل الضغوط السياسية والاقتصادية، ويشنون حملات التحريض. وهم فى ذلك كله يثبتون جهلهم بالتاريخ ويؤكدون أنهم لا يعرفون شعب مصر وكيف يقهر أصعب التحديات حين يتضح له الطريق الصحيح، ويمتلك القيادة الواعية والرؤية الصائبة التى تضع مصر فى مكانها الصحيح، والتى تعرف أن معركتها الحقيقية هى تحقيق التقدم وترسيخ العدالة وتعويض الملايين عن سنوات البؤس والمعاناة.
حربنا ضد عصابات الإرهاب التى تقودها الإخوان محسومة، لكن ستبقى أمامنا معركة طويلة لاجتثاث هذا الفكر المتطرف، ولتجفيف منابع الإرهاب عبر نضال جاد بالفكر المستنير وبالديمقراطية الحقيقية، وبظروف اقتصادية تمنح الشباب الأمل والعمل، وبتعليم حقيقى ونهضة علمية نملك أدواتها، وبالتوجه نحو المستقبل بدلا من العيش فى كهوف الماضى.
وتخطينا للظروف الاقتصادية الصعبة والاستثنائية هو مسألة وقت، لكن الأهم أن نمتلك رؤية لإصلاح شامل تتوزع أعباؤه على الجميع، وينهى زمن القلة التى تحتكر ثروة مصر، ويغلق الباب تماما أمام عودة رموز عصور الفساد إلى المشهد الاقتصادى والسياسى.
خريطة المستقبل التى بدأنا تنفيذ خطوتها الثانية بالإعلان عن تقديم انتخابات الرئاسة ليست خريطة لاستكمال الشكل الدستورى، وإنما هى خريطة لتأكيد أنه لا عودة للفساد الذى سقط فى ثورة يناير، ولا للفاشية التى سقطت فى ٣٠ يونيو.
وخريطة المستقبل هى خطوات لا تراجع فيها لتأكيد استقلال القرار المصرى ورفض التدخل الأجنبى فى شؤوننا الداخلية، والرد الحاسم على كل من يشارك فى دعم الإرهاب أو يحاول تعطيل المسيرة.
وخريطة المستقبل لن تحقق أهدافها إلا حين تحكم قوى الثورة، وحين تنفتح الأبواب أمام أجيال جديدة تتسلح بالعلم وتخلص فى العمل لتحقيق أهداف الثورة وترجمتها إلى إنجازات حقيقية تنتظرها الملايين التى ضحت وعانت وصمدت وما زالت تتمسك بثورتها وتؤمن بحتمية انتصارها.
من هنا ينبغى أن يكون واضحا، ونحن نمضى فى تطبيق خريطة المستقبل ونقاتل الإرهاب ومن يدعمونه، أن الضمانة الكبرى لهذا المستقبل أن نحافظ على وحدة قوى الثورة، وأن نحتضن الأجيال الجديدة ونؤهلها لمسؤوليات الغد، وأن يكون قرارنا نهائيا بأنه لا عودة للوراء، ولا مكان لأعداء الثورة أو خونة الوطن، وأن كل خطوة نتخذها سوف تقربنا من مصر التى نحلم بها ومن الأهداف التى أطلقتها الملايين وهى تقاوم الفساد والفاشية وتقاتل الإرهاب لتبنى دولة الديمقراطية والعدل والكرامة الوطنية.