كل الاحترام لمنصب البابا ورسالته.. وكل التقدير لشخصه.. لكن لى عتاب أرجو أن يتقبله بروح سماحته وتواضعه ووطنيته.. قداسة البابا أنا أخاطبك هنا بوصفك راعيا ومعلما ومرجعا للشعب المسيحى.. كل فعل أو قول يصدر منك تأثيره مباشر وسريع على الأغلبية التى اعتادت الطاعة العمياء للبابا دون نقاش ولا تفكيرلأكثر من سبب.. أولها الخوف الموروث من غضب الله، وهذا يحملك مسؤولية تغيير هذا المفهوم والحذر فى مواقفك.. وثانيا الاتكالية التى ابتلى بها المصريون نتيجة فساد التعليم والحكام والقادة، وشهوة بعض رجال الدين للسلطة.. فالاتكالية ترفع الحرج والذنب عن الكسول، وتجنبه مشقة التفكير وبذل جهد البحث والسعى وتحمُّل مسؤولية قراراته الشخصية.
لذلك أعاتبك على أمرين.. أولهما ظهورك فى إعلان تليفزيونى تجمع التبرعات لإعادة بناء دور العبادة. يا سيدى رسالتك ومنصبك أكبر وأسمى من ذلك.. وثانيا مقالك المنشور بجريدة «الأهرام» 13 يناير بعنوان «قول نعم يزيد النعم».
جانبك التوفيق يا قداسة البابا فى اختيار العنوان وفى التوجه.. وسلكت بهذا المقال طريق مرشد الإخوان الإرهابيين.. صحيح أنك لم تأمر أو توجه شعبك لتكفير الآخر وسلبه وقتله، بل طالبت المسيحى بالمشاركة.. لكنك بتوجيهه إلى اختيار «نعم» تعيده إلى حظيرة الطاعة العمياء لسلطة الكهنوت، لسجون العبيد، سجون الخوف والاتكالية وتنفيذ الأوامر والتوجيهات، وتعيدنا إلى زمن تسلط الكهنة والفريسيين للفوز بالسلطة والثروات الأرضية.. وأرجو ألا تكون محاطًا بأمثالهم ويزينون لك الظهور الإعلامى فتخسر ما ربحت.
قداسة البابا.. الشعب المسيحى الشرقى فى حالة نقاهة وإعادة تأهيل العقل والوعى والإرادة الآن بعد تجميدها فى عهد البابا شنودة، الذى أحبوه معلمًا وراعيا محبا فتمادوا فى طاعته وتلهفوا فى انتظار أوامره أو حتى تلميحاته، حتى حبسوا أنفسهم خلف جدران الطاعة العازلة تعطل تفكيرهم.. فانفصل الشعب المسيحى عن الشعب المصرى.. وبعد نياحته وعبوره حزن فقده، استعادوا توازنهم وإرادتهم واستقلالهم كمواطنين مصريين غير موجهين من سلطة كنسية.. وانصهروا فى ثورة 30 يونيو، معلنين رفضهم فساد حكم الإخوان واضطهاد وإقصاء المسيحيين وهدم كنائسهم، وتهجيرهم من بيوتهم وقراهم فى الصعيد.. تعلموا الرفض دون إذن، واستعادوا روح الاستشهاد من أجل الحق.. وتحررت الغالبية من انتظار تعليمات البابا فى ما يتعلق بالظلم العام، لكن ما زال البعض مختبئا فى قوقعة اليأس، فى انتظار قراراتك وأوامرك وتوجيهاتك.
قداسة البابا.. بعد عهود الطاعة العمياء لرجل الدين، فإن تحرير العقل المغلق المظلم الخائف هو أهم مسؤولياتك الآن.. الشعب المسيحى خرج بعد ثورة 30 يونيو يدافع عن حقوقه ويمارس واجباته كمواطن مصرى حر فلا تجذبه للخلف بل ثبت جذوره.. لا نريد كنائس ممتلئة بقطعان خائفة خانعة مهزومة.. لا نريد إعلانات تليفزيونية لجمع التبرعات لإعادة بناء كنائسنا فهذه مسؤولية الدولة التى أهملت حمايتها.. لا نريد مقالات صحفية سياسية لتوجيه المسيحىين.. كل مسيحى هو مواطن مصرى أولا، إما أن يشارك فى الدفاع عن وطنه وحمايته دون تعليمات أو توجيهات.. وإما يتحمل عواقب غربته فى وطنه وسلب حقوقه وكرامته.
قداسة البابا.. ممثلو الكنيسة شاركوا فى صنع الدستور وتوافقوا عليه.. وأنت كتبت فى مقالك أنه دستور مناسب ومتوازن إلى حد بعيد، وهذا كان كافيا كحافز للمسيحيين للمشاركة.. لكن اختيار العنوان «قول نعم يزيد النعم» كان توجيهًا مباشرا يضرب الإرادة الحرة ويعيدنا إلى عهد الطاعة الصماء المرفوض أيام البابا شنودة.. وقد يدفع الشباب قليل التجربة والحكمة إلى العناد والتمرد خصوصا وهو تائه وسط حالة محبطة من صخب الشائعات وقصص خيانة كثير من الرموز التى وثق بها، بعد أن سار شوطًا طويلا خلفها مؤيدا ومتفائلا.
قداسة البابا تواضروس، كلنا نثق بأن الله اختارك راعيا ومعلما فى هذا التوقيت الصعب لصفات فى شخصك.. وكما اختار يسوع المسيح أغلب تلاميذه من مهنة الصيد، البعض صياد والآخر يُصلِح الشباك.. فقد اختارك فى تقديرى لاصطياد شعبك من بئر الخنوع وسجون الاتكالية والطاعة العمياء.. افتح أبواب العقول وساعد فى تحريرها.. أفرز وعلم الكهنة قيادة الشعب إلى معرفة حقيقة رسالة المسيح.. وصفات المواطن المصرى المسيحى الحر.. إرم شبَكتك فى العمق وانتظر.