توقّع النقيب «مصطفى رفعت» أن يسمع من الجنرال «ماتيوس» أى شىء، عدا ما سمعه منه بالفعل، لقد قال الجنرال البريطانى العتيد، بكل الاحترام والتقدير: إن دفاع رجال الشرطة عن المبنى، مع عدم تكافؤ التسليح، هو بطولة لم يشهد مثلها فى عمره كله، حتى خلال الحرب العالمية الثانية، وأنهم يستحقون استسلاما مشرفا، مثلما دافعوا عن سيادتهم بشرف، فاشترط «مصطفى رفعت» أن يخرج الجنود من المبنى دون رفع أيديهم فوق رؤوسهم، وأن يعاملوا باحترام كجنود أدّوا واجبهم، وليس كأسرى يستسلمون، وأن يتم نقل المصابين فورا إلى حيث يتم إسعافهم، وكان له ما أراد، واستسلم قائد القوات البريطانية لكل شروطه، وكتب بعدها فى مذكراته ما كتب. ولقد استشهد من أفراد الشرطة فى ذلك اليوم، ما لا يقل عن ثمانين جنديا، وأصيب مئة وعشرون آخرون، وتم اعتبار هذا اليوم التاريخى عيدا للشرطة، وعيدا قوميا لمحافظة «الإسماعيلية» أيضا. ملحمة بطولية رائعة، بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، ولكنها ليست ملحمة البطولة والوطنية والتضحية والفداء الوحيدة، فى تاريخ الشرطة المصرية. ففى ثمانينيات القرن العشرين، قام الإرهابيون بمذبحة وحشية بشعة، هاجموا فيها مديرية الشرطة فى أسيوط، ودوريات الشرطة، وحتى بعض المدنيين، الذين كانوا فى طريقهم لأداء صلاة عيد الأضحى، دون أدنى اعتبار لقدسية اليوم أو آدمية الضحايا.. وفى التسعينيات واجهت مصر هجمة إرهابية شرسة، وراح كثير من رجال الشرطة والمدنيين ضحايا اعتداءات وحشية غادرة، منهم رئيس مجلس الشعب آنذاك رفعت المحجوب، والمفكر المستنير فرج فودة، كما فى الأقصر، ارتكب الإرهابيون أبشع مذبحة وحشية مباشرة، عرفها تاريخ الإرهاب، بقتل ثمانية وأربعين سائحا، والتمثيل بجثثهم على نحو وحشى بالغ البشاعة.
واستنفرت الشرطة المصرية كل إمكانياتها؛ لمواجهة تلك الهجمة الإرهابية الشرسة، وسقط عديد من رجال الشرطة شهداء من أجل الواجب والوطن، ومن أجل حماية أمن وأمان وسلامة المواطنين، حتى انتصروا فى حربهم، واستطاعوا قمع إرهاب التسعينيات الوحشى. وفى ثورة الثلاثين من يونيو 2013، عندما خرج الشعب المصرى، فى أعظم مظاهرة ملحمية عرفها التاريخ؛ لرفض نظام حكم كاد يودى بالدولة إلى هاوية ما لها من قرار، كان رجال الشرطة المصرية على رأس المتظاهرين، باعتبارهم جزءا أساسيا من هذا الشعب العظيم، ولم يقتصر دورهم على الانضمام إلى المتظاهرين فحسب، وإنما امتد إلى حمايتهم، وتأمينهم، ومدهم بكل ما يحتاجون إليه من سبل المعيشة الأساسية، وكان لانضمامهم جانبه الإيجابى العظيم، فى نجاح الثورة، وسقوط النظام، وإعلاء كلمة الشعب. والآن، وأنا أكتب هذه الكلمات، تخوض الشرطة مع الجيش حربا قوية، ضد هجمة إرهابية أكثر شراسة، استهدفت كل فئات الشعب، وبخاصة رجال الشرطة، إلى حد محاولة اغتيال وزير الداخلية، ولكن على الرغم من سقوط عشرات الضحايا منهم، فإنهم أصروا على مواصلة تضحياتهم؛ لمقاومة هذه الهجمة الإرهابية الجديدة، وتوفير الأمن والأمان للمواطن، انطلاقا من واجبهم، وإيمانهم بالله سبحانه وتعالى، والقسم الذى أقسموه أمامه عزّ وجلّ، بأن تبذل الشرطة الدم والروح، وكل غال ونفيس، فى سبيل حماية الوطن والمواطن، استكمالا لمسيرتها التاريخية من واجب وكفاح.. ووطنية.. فتحية للشعب المصرى العظيم، وتهنئة له بعيد ثورته.. وتهنئة وألف تحية لرجال الشرطة الأبطال.