أكتب هذا المقال بعد منتصف الليل، وقد وضحت رؤى اليوم، ففى بداية اليوم الانفجار أمام معهد أمناء الشرطة فى عين شمس، وانفجار الأمن المركزى فى السويس، وأيضا، إسقاط طائرة فى سيناء وتوفى طاقمها، واشتباكات متفرقة أمام نقابة الصحفيين والمطرية والألف مسكن وأماكن متفرقة أسفرت عن 29 قتيلا و167 جريحا، بعد يوم دام يوم الجمعة بأربعة انفجارات، أخطرها أمام مديرية أمن القاهرة والثانى فى البحوث واثنان فى الهرم، من المؤكد أن الشعب المصرى تحدى الخوف وخرج ليعبر عن توحده ضد الإرهاب، وخرج ليحتفل بثورته وتحقيق جزء مهم من إنجازاتها، أهمها، التخلص من الوصاية باسم الدين، وإنجاز دستور 2014 الذى حقق جزءا كبيرا من أهدافه، مثل تأكيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وأمور كثيرة، لا مجال لحصرها الآن، ولكن من سلبيات المشهد، عدم نزول كثير من الكيانات السياسية كجبهة الإنقاذ، والمصرى الديمقراطى الاجتماعى وكذلك حزب النور ومعظم الأحزاب السياسية، وكان على المنصة احتفالات غنائية، ولم نرَ كما كنا نرى فى السابق، القادة والزعماء السياسيين، يلهبون حماس المتظاهرين أو المحتفلين ويؤكدون أهداف ثورتهم، واستمرارهم فى النضال السياسى لتحقيق تلك الأهداف، فكان احتفالا شعبيا، ولكنه لم يكن احتفالا سياسيا، وربما يثير هذا المشهد، عدة تساؤلات وتحديات، فمن المؤكد أن الفريق السيسى له شعبية جارفة داخل المجتمع المصرى، ولكن هل كانت المزايدات، وحملات الترويج الفجة أحيانا، مثيرة لقلق النخبة السياسية أو جزء منها؟ خصوصا وقد أكد لى أكثر من شخص، أن فاكسات جاءت لإحدى وزارات الدولة الهامة، للتجمع فى يوم 25 وهو يوم إجازة رسمية لعمل مسيرة احتفالية، ودعوة للفريق السيسى للترشح، وأنا على يقين أنه تصرف ذاتى «ملكيين أكثر من الملك»، ولكنه ذو دلالة خطيرة، هل سيعود جهاز الدولة البيروقراطى، للعمل بطريقة الحزب الحاكم، كما كان قبل 25 يناير؟ فهذا تحد كبير ربما يواجهنا فى المرحلة القادمة، هل سنستطيع تحييد جهاز الدولة بحيث يكون محايدا أمام أى استحقاق انتخابى فى المرحلة القادمة؟ النقطة الهامة، هل سيستطيع الفريق السيسى تقليل الفجوة التى ربما تكون قد حدثت بينه وبين جزء من النخبة السياسية؟ لأنه فى النهاية، من سيشكل الحكومة القادمة، ليس عوام المجتمع المصرى الذى نزل الشوارع والميادين اليوم، ولكنه فى النهاية الأحزاب السياسية، التى ستشارك فى الانتخابات المقبلة، وهذه هى الحكومة التى سيستند إليها الفريق السيسى، لتحقيق أهداف الثورة، وتنفيذ برنامجه الذى سيطرح نفسه على أساسه للشارع المصرى «أتحدث على أساس أن ترشح الفريق السيسى يقترب من اليقين، وفوزه أيضا أقرب إلى اليقين والله أعلم، فالأيام حبلى بالمفاجآت وكثير من الأحداث»، ومن المؤكد أنها ستكون حكومة ائتلافية، ربعها على الأقل من التيار السلفى، القضية الأخرى التى لا نستطيع تجاوزها هو هذا العدد من القتلى والجرحى، لا نريد أن نفقد إنسانيتنا ونشمت فى الدماء، وأى دماء تسال على أرض هذا الوطن، لا بد من تحقيق وتقارير، عن كل دم مصرى يسقط على الأرض، وحتى ولو كان القتيل مجرما خطيرا، أو تاجر مخدرات، فلا بد أن يثبت التحقيق، أنه لم يكن سبيل، أمام الجهات، إلا القتل، وتلتزم تلك التحقيقات بالشفافية، وتقول التحقيقات، إن كان حدث تجاوز، أم أنه لم يكن فى الإمكان أفضل مما كان، لأنه فى النهاية، أصبح لزاما على الدولة فى المرحلة المقبلة، عمل ما يسمى جبر الضرر، كما يقول الأستاذ عبد الحليم قنديل، لمحاولة تهدئة النفوس، من تحمل توابع الدماء، من استحقاقات مادية فى صورة ديات وإعانات لأسرهم، وكذلك التزام أدبى ومعنوى، بالاعتراف بالتجاوزات، إن كان قد حدث ذلك، والاعتذار عنها، ومحاولة تقريب الفجوات بين التيارات السياسية المختلفة، وتدريب أنفسنا على قبول التنوع السياسى، ودرجة من درجات التباين فى الآراء، دون استقطاب ودون تخوين، وفى نفس الوقت، محاولة تفكيك التجمع المضاد، وهو تحالف ما يسمى بالشرعية، والتحاور على التناقضات التى بدأت تحدث داخل مثل هذه التكتلات كحزب الوسط وحزب البناء والتنمية، وقبول من يعترف بـ14 و15 يناير، أن يشارك فى المشهد السياسى المقبل، حتى من ينسلخ من أعضاء جماعة الإخوان عن التنظيم ويقبل بالمسار السياسى ويقبل بـ14 و15 يناير، حتى نستطيع خلخلة الكتلة المضادة، فالسياسة فن الممكن، بعيد عن التصعيد العاطفى ودعاوى السحق والمحق، ففى النهاية، نحن نحتاج إلى السياسة الرشيدة، وحكومة رشيدة، تقود ما تبقى من المرحلة الانتقالية بكفاءة أعلى من الوضع الحالى.
25 يناير
مقالات -
نشر:
27/1/2014 6:44 ص
–
تحديث
27/1/2014 6:44 ص