حرصتُ أن أذهب إلى السينما بعد أن استيقظَت القاهرة على صوت انفجار غير مسبوق، الهدف الدنىء من الإرهاب الأسود هو أن يزرع الخوف فى قلوبنا، نجحت الخطة مؤقتا، تضاءل وجود الناس وهدأ المرور كثيرا، الناس يشعرون أن كل أماكن التجمعات مستهدَفة، فآثروا السلامة واكتفوا بالمتابعة عبر شاشة التليفزيون، إنهم يريدون أن يسرقوا الفرحة من القلوب وأن يغتالوا الحياة.
تذكرتُ فيلم «زفاف رنا» للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد الذى قدمه قبل نحو 12 عاما وله عنوان آخر وهو «القدس فى يوم آخر» ولكنى مع الزمن أشعر أنه فقط «زفاف رنا»، حيث يقاوم الفلسطينيون مَن يريدون اغتيال الحياة بالحرص على الحياة، كنت قد شاهدت خمسة من الأفلام الستة، ما عدا واحدا وهو «جولة مع الديناصور»، فيلم للأطفال ولكن كل أفلام الأطفال مصنوعة للكبار، الجانب التعليمى هو المسيطر على كل المفردات، ورغم ذلك لا بأس، هناك أيضا قصة حب بين ديناصور وديناصورة وتحدٍّ للتباين الطبقى، كما أن الديناصور العاشق لديه عيب خلقى حيث ثقبت العظمة التى تحميه وتتحول أحيانا إلى درع للدفاع عن نفسه ضد الأعداء ولكنه تعايش مع هذا الضعف بل أحاله إلى سلاح للقوة فهو مع هبوب الريح يُخرج صوتا موسيقيا.
قبل أن أذهب إلى القاعة كنت أريد أن أعرف ردود فعل فيلم «لا مؤاخذة» بعد عرضه جماهيريا، الفيلم يتناول بطلا وعائلة قبطية، والسؤال: هل تنجح الأفلام التى تحكى عن قبطى؟ سؤال كان تعنينى الإجابة العملية عنه. سوف أضرب لكم مثلا بالغناء: هل لاحظتم أنه لم تُقدم مصر مطربا قبطيا حقق نجومية طاغية طوال التاريخ؟
أتذكر مثلا أن المطرب هانى شاكر فى بداية مشواره الفنى مطلع السبعينيات كان يؤكد فى أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس، لأن البعض أخافه بأنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحى، اسمه يحتمل الديانتين، مثل بطل الفيلم هانى عبد الله الذى لا تكتشف ديانته إلا مع ذكر الاسم الثالث بيتر، ولدينا عديد من الحكايات المشابهة مثل الفنان محمد صبحى منذ 15 عاما لاحقته تلك الحكاية وهى أن اسمه الحقيقى مجدى وأنه مسيحى ولكن والده أطلق عليه محمد لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله ماتوا... مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف»، وضعت صبحى فى حرج بالغ وهو يكذّبها حتى لا يجرح مشاعر الأقباط!
هل تتأثر شعبية الفنان بسبب ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيرا منطقيا، لو أنك مثلا سألت: لماذا لم يظهر «جان» فتى أول مسيحى الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية؟ لو استسلمنا للتفسير الطائفى الذى يقول إن المصريين يرفضون الفنان بسبب ديانته، سنجد على المقابل أن قسطا وافرا من نجوم الكوميديا أقباط بل إن الضحك فى مصر لو قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه لن تجد سوى نجيب الريحانى المسيحى الكاثوليكى بجذوره العراقية، أى أن الناس عندما أحبوا لم يسألوا لا عن ديانة ولا جنسية.
فيلم «لا مؤاخذة» طبقا لما ذكره لى العاملون فى دار العرض يحقق إيرادات غير مسبوقة، لى ملاحظات على السيناريو والرؤية الإخراجية لعمرو سلامة أشرت إلى بعضها فى مقالى بعد عرض الفيلم فى افتتاح مهرجان الأقصر، ولكنى أرى وجها مضيئا لإقبال الناس على فيلم بطله يؤدى دور قبطى، بل إنه تعمَّد أن يُظهر وجها واحدا للطائفية وهى الأغلبية المسلمة وذلك لأنه لم يشأ أن تفقد الرسالة معناها، ويبقى: هل من الممكن أن نعتبر إقبال الناس على مشاهدة الفيلم دليلا عمليا على أن الجمهور قفز فوق حاجز الطائفية؟
حكى مرة مذيع الراديو أسامة منير أنه رسب فى الامتحان كمطرب عندما تقدم للجنة الاختبار فى الإذاعة المصرية قبل نحو 20 عاما لأن اسمه الثلاثى أسامة منير جريس، وكتب بعدها زجلا يقول فى مطلعه «إن كنت محمد أو جريس من حقى أركب الأوتوبيس»، أسامة ركب الأوتوبيس وصار أشهر مذيع راديو. وبطل فيلم «لا مؤاخذة» دافع عن حقه أن يكون نفسه ويعلن ديانته، وبطل فيلم «الديناصور» تحدى ضعفه وأصبح قائدا للقبيلة وتزوج حبيبته وعاشا وفى تبات ونبات وخلفّا دناصير وديناصورات.