يحضرنى دائمًا سؤال يشغلنى، وهو: لماذا الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عامة يأخذ هذا الموقف السياسى من ثورة 30 يونيو التى أسقطت سلطة فاشية مثل الإخوان المسلمين؟ لماذا يحاولون بكل قوة عودة المعزول وأيامه؟ لماذا يبذلون المجهود السياسى الكبير دفاعًا عنهم وعن أساليبهم فى الحكم؟ لماذا أرسلوا سفراءهم وممثليهم إلى القاهرة فى أثناء الأزمة ليحاولوا بكل ما أوتوا من قوة لينقذوا محمد مرسى وأعوانه؟ وهل الإخوان المسلمون ببرنامجهم السياسى يتفقون مع الغرب فى أهدافه ورؤيته لحل مشكلات المنطقة؟
هل مثلًا الهدف الرئيسى للسياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط هو حماية أمن إسرائيل؟ هل هذا الهدف يتوافق مع البرنامج السياسى الإخوانى مثلًا؟ طيب هل المعتقدات الأوروبية والأمريكية السياسية والمتحدثة والمطبقة دائمًا لقيم الديمقراطية والحرية هى سمات موجودة فى السياسة الإخوانية أو فى سياسة الإسلام السياسى بصورة عامة؟
كل ما سبق هى تساؤلات مشروعة لأى مراقب عن حجم الحزن القابع على قلوب وعقول القوى الغربية منذ 30 يونيو إلى الآن من جراء نجاح الثورة ووقوف المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية بجوار هذه الثورة. حتى خلع النظام الإخوانى الفاشى، ولنا الآن أن نصدق التحليلات السياسية لكثير من المحللين العالميين والعرب حول رؤية أمريكا وحلفائها حول الإسلام السياسى واستغلالهم له حتى تقع المنطقة فريسة الخلافات والعنف ليعيدوا بكل طريقه هؤلاء المتطرفين عن بلادهم وليشغلوهم ويقتلونا، ويظلوا هم فى أمان! إنهم يفعلون ذلك دون تدخل مباشر منهم، لكنهم يتركوننا نقتل بعضنا البعض ويحاربوننا حرب (التدمير الذاتى)، التى تحصر المئات فى بلاد العرب كل يوم وكل ساعة. ودعم الغرب لأنظمة الإسلام السياسى بالطبع رغبة فى تأجيج التعصب الدينى، فهم أكثر المؤيدين لفكرة التقسيم الطائفى، ومثال ذلك ما فعلوه فى العراق من التعامل مع شعبة من أول يوم احتلال بطوائفه المتعددة: الأكراد، السنة، الشيعة. وهم دائمًا يتلاعبون بالتيارات السياسية الراديكالية سواء عن طريق مخابراتهم بالطريق السرى أو عقد اتفاقيات معها، والأغرب أنهم يستغلون كلامًا هشًا يضحكون به عليهم مثل محاربة الشيوعية مثل ما فعلوا فى أفغانستان، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن السياسة الأمريكية تعتمد على التقارب مع الجهاديين والإخوان المسلمين. وقفت بجانب الإخوان فى مصر وما زالت تقف إلى الآن. بل تحاول أن تصدر للعالم صورةً بعيدةً كل البعد عن الصورة الحقيقية للإخوان.. على أنهم مضهطدون، ووصلوا إلى الحكم بالطريق الديمقراطى، وأنهم يحاربون الانقلابيين.. كلام ساذج لا يمكن لأحد عاقل أن يصدقه، وعلى الجانب الآخر نجحت جماعة الإخوان فى تقديم نفسها إلى الغرب وأمريكا بأنها تيار سياسى معتدل، وأنهم قادرون ببرجماتيتهم أن يتوحد تحت رايتهم التيار الإسلامى العنيف واحتوائه حتى لا يكون خطرًا على الغرب... لكن لا يعرف الكثير من الأمريكيين أن الإخوان الآن أصبحوا خطرًا شديدًا عليهم، وعلى نظامهم وهذا ليس كلامنا وليس كلام رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الذى اتهم أوباما بدعمه للإخوان أنه فتح أمريكا للإرهاب وغسل الأموال، بل وصل الأمر إلى اختراق البيت الأبيض نفسه بأفراد ينتمون إلى الإخوان المسلمين وأفكارهم... ولا بد أن تعلم الإدارة الأمريكية أن محاولة اتهامهم من جهة الإخوان بأنهم مسؤولون عن حفظ الاستقرار والسلام مع إسرائيل مقابل ترك الغرب والأمريكيين فى شأنهم هذا التصور الساذج... كسرته تلك الثورة العظيمة فى 30 يونيو وعلى الأمريكيين أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى... مع أن الواقع يثبت غير ذلك أنهم يتمتعون بغباء سياسى لا ينافسهم فيه إلا الإخوان المسلمون الذين أسقطوا حكمهم فى مدة زمنية قليلة.
إن ما صرح به كيرى وزير الخارجية الأمريكية تعليقًا على الاستفتاء المصرى الأخير بأن الديمقراطية ليست الاستفتاء وحده، متهكمًا على اهتمامنا بنتائجه يدل دلالة كاملة على أن المسؤولين الأمريكيين لم يستوعبوا إلى الآن نتائج ثورتى يناير ويونيو... وأنهم ما زالوا أمامهم الكثير للاستيعاب. على العموم الشعب المصرى أثبت على دوام تاريخه، خصوصًا تاريخه الحديث والحديث جدًّا أنه قادر على تغيير الخريطة السياسية الدولية وإعطاء دروس للأغبياء حتى يفهموا، وعلى العموم نحن لا نحمل أملًا فى استيعاب الأغبياء الأمريكيين، ومنهم كيرى الدرس، وعلى العموم الدرس لم ينته بعد يا كيرى.