أسكن فى حى العجوزة بعيدًا عن وسط القاهرة وباب الخلق حيث وقع الهجوم الإرهابى أمس. لكننى أفقت على صوت الانفجار. فتحت عيونى غير مصدق أننى أصحو على صوت انفجار. حاولت العودة إلى النوم، فالوقت ما زال مبكرا جدا، بعد السادسة بقليل، فى يوم الجمعة العطلة الرسمية. مَن الذى سيقوم بتفجير فى مثل هذا الوقت المبكر؟ وما الذى يمكن استهدافه؟ أكيد كابوس. لكننى لم أستطع العودة للنوم، ولا أعرف لماذا تملكنى شعور أن تفجيرا إرهابيا قد وقع فى مكان قريب. ربما هى طبيعة العمل الصحفى، أو الإدراك لمدى حالة التوتر التى نعيشها فى هذه الأيام الصعبة قبل 24 ساعة فقط من إحياء الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير. قمت متكاسلًا نحو التليفزيون، أتمنى أن تخيب توقعاتى، وأن يكون ما سمعته مجرد وهم أو صوت مزعج لانفجار إطار سيارة أو أى حادثة مرورية. خابت ظنونى. بحروف كبيرة على الشاشة: عاجل: انفجار سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة. يا الله، باب الخلق! هذه المنطقة الشعبية الجميلة فى قلب القاهرة المليئة بالتاريخ؟ كيف سمعتُ الانفجار وأنا على مثل هذا البعد؟ لا شك أنه كان انفجارا مروّعا. لم أستطع الجلوس، وكما يقولون تسمرت أمام الشاشة أشاهد الواجهات المدمرة للمبانى التى أعرفها جيدا.
لقد تربيت فى منطقة عابدين القريبة، وكان مسار الفسحة اليومى يتضمن السير فى شارع بورسعيد حيث مديرية الأمن، والمتحف الإسلامى ومحكمة الاستئناف والمناطق الشعبية التى تقع خلفهم كالخيامية. لم نكن نحب كأطفال أو شباب صغير السن أن نمر من أمام مديرية الأمن على الرصيف المقابل، وذلك بمنطق أبعد عن الشر وغنِّيله، وماحدش يحب يجيب لنفسه البهدلة. هذا مبنى ضخم ملىء بضباط البوليس. أنا أعرف هذا الشارع شبرًا شبرًا، ولا أستطيع أن أحصى عدد المرات التى دخلت فيها إلى مبنى محكمة الاستئناف بعد أن بدأت العمل الصحفى لتغطية محاكمات هامة. وفى مرات قليلة اضطررت إلى دخول مبنى مديرية أمن القاهرة المجاور حيث سجن الاستئناف سيئ السمعة الذى يتم منه ترحيل المتهمين إلى مختلف سجون الجمهورية. الرسالة هذه المرة واضحة وصريحة. لقد وصلنا بتفجيراتنا وعملياتنا الإرهابية الجنونية إلى قلب وسط القاهرة. ومَن يستطع أن يفجر سيارة مفخخة فى السادسة صباحا فى باب الخلق، يمكنه أن يقوم بنفس العمل الإجرامى فى وقت الذروة ليسقط مئات الضحايا فى أى منطقة أخرى مكتظة بالمواطنين. تماما كما هو الحال مع ما وصفته وزارة الداخلية بالقنابل بدائية الصنع التى تُحدِث فرقعة دون تفجير وتزايد العثور عليها فى عدة محطات رئيسية لمترو الأنفاق، ومنها محطات الشهداء وجمال عبد الناصر والدقى، فى الأيام الأخيرة. الرسالة من الإرهابيين هى أن القنابل بدائية حتى الآن، لكنها يمكن بسهولة أن تكون متطورة، مع الوضع فى الاعتبار أن مجرد سماع صوت فرقعة كبيرة فى محطة للمترو من شأنه بث الرعب فى قلوب المواطنين وقد يؤدى إلى قتل العشرات لو حدث تدافع للخروج من الأنفاق. المواطنون الذين تجمعوا سريعا فى شارع بورسعيد من أهالى المنطقة لم ينتظروا بيانات للداخلية توجه فيها أصابع الاتهام إلى أى جماعة بعينها، أو شريط فيديو قد تبثه لنا جماعة أنصار بيت المقدس نرى من خلاله إجراءات تجهيز سيارة الإرهابى الانتحارى بالمتفجرات. لكن المواطنين البسطاء بدأوا فورا بالهتاف «الشعب يريد إعدام الإخوان» وفى هذا الهتاف العفوى ما يجب أن يثير رعب قيادات الإخوان ويدفعهم سريعا لمراجعة مواقفهم ودعواتهم المتواصلة للتظاهر والاشتباك مع رجال الأمن ومواطنين عاديين، والزعم بأن انتصار «الثورة» قد اقترب. العداء الآن هو فى مواجهة غالبية المواطنين من المصريين وليس فى مواجهة نظام أو شرطة أو جيش.
المواطنون الذين كانت ملامح الغضب واضحة على وجوهم ستزداد نقمتهم لو خرج علينا كاتب بيانات الإخوان بمزاعمه المعتادة أن المسؤول عن هذا التفجير هو أجهزة الأمن نفسها، وهو ما رددوه فى أعقاب تفجير مديرية أمن الدقهلية. كما أننا لا نحتاج إلى بيانات اعتذار سخيفة ومائعة من جماعة الإخوان يقولون فيها إن الجميع أخطأ بينما هم الذين يتحملون المسؤولية الأساسية عما وصلنا إليه الآن، سواء من فشل فى تحقيق أى من أهداف ثورة 25 يناير أو السعى الحثيث لعودة الدولة الأمنية القديمة بحجة مواجهة الإرهاب، لأن الأولوية كانت بالنسبة إليهم دائما تمكين الجماعة والسيطرة على الحكم.
نريد من الإخوان إدانة قاطعة للإرهاب، وتعهد واضح وصريح أنهم سيبذلون كل ما فى جهدهم للسعى لوقف سلسلة العمليات الإرهابية التى تتعرض لها مصر الآن، من دون اشتراط عودة الرئيس الإخوانى للحكم كما سبق أن طالب القيادى فى الجماعة المسجون الآن، محمد البلتاجى. لقد أمضينا عامًا كاملًا فى ظل حكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى دون أن تشهد مصر أى عمليات إرهابية تقريبا، ذلك بعد أن فتح الرئيس باب قصره لقيادات كان لها تاريخ طويل فى عمليات القتل والإرهاب، وضغط على قيادات الأمن لكى يتوقفوا عن ملاحقة أنصار الجماعات الإرهابية فى سيناء.
ومن الجنون أن يعتقد أى فصيل سياسى أنه سيتمكن من الحكم بابتزاز المواطنين بسلاح الإرهاب، او باتخاذ الإرهابيين حلفاء مستترين. الإرهاب وترويع المواطنين وقتلهم لا يمكن أن يؤدى سوى إلى زيادة نفوذ المتشددين فى أجهزة الأمن، واستعداء المواطنين. وحتى لو لم يكن أعضاء الإخوان متورطون شخصيا فى تنفيذ انفجار الصباح الباكر أمس، فيجب على قادة الإخوان مشاهدة شاشات التليفزيون عدا «الجزيرة مباشر مصر»، ليتيقنوا أن المواطن العادى فى شارع بورسعيد بباب الخلق يحملهم هم المسؤولية.