علاقتى بتونس مليئة بالذكريات الطيبة، فمن مهرجان قرطاج السينمائى حصلت على أول جائزة دولية (الفضية عن فيلم «خرج ولم يعد» ١٩٨٤)، ومن تونس الدولة حصلت على أول وسام للاستحقاق الوطنى فى ميدان الثقافة، الصف الثالث، ١٩٩٨ (سنتان قبل حصولى من بلدى على وسام الجمهورية فى العلوم والفنون الطبقة الأولى- ٢٠٠١ ).
بمناسبة جائزة «خرج ولم يعد» حصل أيضا الفنان يحيى الفخرانى على جائزة أحسن ممثل عن دوره فى الفيلم، وأتذكر فى الليلة السابقة للحفل الختامى وإعلان الجوائز تلميح الفنان نور الشريف عضو لجنة التحكيم بأن هناك خبرا حلوا فى انتظارى، فى الصباح يبدو أن النتائج كلها قد تسربت قبل إعلانها رسميا، وتأكدت من فوزى، إلى جانب وصول أخبار رحيل المخرج فرانسواز تروفو أحد مخرجى الموجة الجديدة فى فرنسا. عادة يستضيف المهرجان ضيوفه فى فندقين «إفريقيا والإنترناشيونال» فى شارع الحبيب بورقيبة تفصلهما الحديقة الطولية التى شهدت فى ما بعد انطلاق الثورة التونسية، التى أشعلتها شرارة بو عزيزى، وتجمهر الآلاف ينادون بإسقاط النظام. قابلت فى ذلك الصباح وأنا أعبر الشارع من فندق «الإنترناشيونال» فى طريقى إلى فندق «إفريقيا» المخرج توفيق صالح الذى استوقفنى ونصحنى بتجنب دخول الفندق، حيث يبدو أن هناك حالة غضب من فريق فيلم «حتى لا يطير الدخان» المشترك فى المسابقة الرسمية «على رأسهم بطل الفيلم عادل إمام» لاستيائهم الشديد بعد اكتشافهم عدم حصول الفيلم على أى جوائز. فى المساء وأنا فى طريقى إلى السينما، حيث أقيم حفل الختام، لمحت جاكت بليزر «جاكت عادة لونه أزرق داكن بزراير نحاسية تليق بكل المناسبات» بفاترينة أحد المحلات فى الممر المؤدى إلى السينما، فقررت شراءه وارتداءه فوق ملابسى الكاجوال لأصعد به على المسرح أستلم الجائزة مع صفير الشباب المُعادى للسينما المصرية، الذين واجههم بعنف الناقد سامى السلامونى فى ندوة الفيلم اليوم التالى يؤنبهم ويلقنهم درسا فى تاريخ السينما المصرية ودورها الثقافى فى العالم العربى. فى هذه الدورة أيضا التقيت أنا وسامى المخرج الإيطالى مايكل أنجلو أنطونيونى، فى ردهة فندق «إفريقيا» وذكّرت المخرج -الذى حولت أفلامه بوصلة تطلعاتى من الهندسة إلى السينما- بمقولة منسوبة إليه فى إحدى مقابلاته الصحفية أن «كل مخرج فى الواقع يخرج فيلما واحدا فى حياته يكرره بشكل أو بآخر فى بقية أفلامه». كان رد أنطونيونى اللبق والساخر «إذا كان شاطرا، فهو يُخرج فيلمين فى حياته».