فى معركة «الكباتن» بين النادى الأهلى ووزارة الرياضة جانب يدعو للتوقف عنده.. وهو أننا عدنا -والحمد لله- للتعامل فى هذا الميدان الحيوى والمهم (وربما فى غيره) بنفس الكيفية التى كنا نتعامل بها من قبل.. يعنى نفس التضارب فى القرارات، والارتباك والتخبّط من جانب الجهات الرسمية وغير الرسمية، وتحويل كل قضية إلى خلاف شخصى، واعتبار القانون مجرد نفق لتمرير ما نريده وليس ما يحقق العدل وينتصر للمصلحة العامة!!
والخلاف بين «الكباتن» معروف ولم يكن خافيًا على أحد، والمناوشات بين الجانبين مستمرة منذ زمن، ومع ذلك تم تركها بلا حسم، حتى وجد الكابتن طاهر أن الفرصة مناسبة ليسجّل هدف الفوز، فإذا بصافرة الببلاوى تلغى الهدف، وفى نفس الوقت تبقى النتيجة معلّقة.. ربما لتسلية الجمهور، وإيجاد موضوع مختلف لبرامج «التوك شو» بعيدًا عن حديث السياسة، كما يتصوّر البعض، مع أن الحقيقة أن القضية فى صلب «السياسة»، إذا كان المعنى هو: كيف تُدار شؤون الوطن؟!
القضية ببساطة أنه إذا كانت هناك جرائم استبيح فيها المال العام كما جاء فى قرار حل مجلس الأهلى، فلا مجال هنا للمساومة، بل يجب أن يكون الأمر فى يد النيابة، لتحاسب المجلس، وتحاسب أيضًا المسؤولين فى وزارة الرياضة (على مدى السنوات الماضية) على سكوتهم عن هذه السرقة. أما إذا لم يكن الأمر كذلك فلا بد من محاسبة مَن أساء إلى النادى الأهلى والرياضة المصرية.
وبغير ذلك، فنحن نعود -كما قلنا- إلى ما كنا فيه، ونسير فى نفس الطريق الذى كنا نظن أن ثورتين كافيتان لتغييره. نقصد طريق العشوائية والتخبّط فى القرارات من ناحية، والفوضى التى نراها فى كل ميادين الرياضة، والأندية التى تُدار بالتربيطات وليس بالقانون.
وإذا كان هذا هو ما يحدث فى الرياضة، فالخطر حقيقى فى أن يكون هذا هو أسلوب التعامل فى كل جوانب حياتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية، وأن لا يدرك الجميع أن علينا أن نغادر منطقة العشوائىة وغياب القانون وافتقاد المحاسبة الجادة والتخطيط السليم فى كل ما نفعل، وإلا تحوّلت الثورة إلى مجرد ذكرى نحتفل بها، بينما تستمر أسس النظام القديم كما هى.
فى اعتقادى أن أزمة النادى الأهلى موجودة فى الكثير من القطاعات وإن غابت الأضواء عنها. ستجدها فى الصناعة وفى الزراعة وفى الاستثمار وغيرها.. حيث التضارب فى القرارات، وغياب الإحساس بسيادة القانون، أو بحرمة المال العام، أو بتغليب المصلحة العامة. وهو أمر لا يمكن تصوّر نهضة حقيقية إلا بالتعامل الجاد معه، لخلق بيئة أخرى مناسبة تدفع الوطن للأمام فى كل المجالات.
أسوأ ما يتم الآن هو أن تتحوّل أزمة الأهلى إلى مجرد صراع بين الكباتن، بدلًا من التعامل معها باعتبارها أزمة كاشفة للحاجة إلى تعديلات أساسية فى القوانين الخاصة بالرياضة والحاكمة لنشاط الأندية بعد أن تجاوزها العصر.
وأخطر ما يتم أن تكشف الأزمة عن هذا التخبط فى القرارات الذى يدرك الجميع الآن أنه لا يتعلق بأزمة الكباتن فقط، بل بكل شىء فى مصر، وهو أمر لا يمكن أن يساعد فى عبور الأزمة الشاملة التى تمر بها، والتى تحتاج -قبل كل شىء- إلى رؤية واضحة تلتزم بها الحكومة وكل مؤسسات الدولة، وإلى الحسم المطلوب لكل القضايا فى إطار احترام القانون والالتزام بهذه الرؤية الشاملة التى ما زلنا نفتقدها، فتكون النتيجة إدارة الأمور يومًا بيوم، وتضارب القرارات فى كل مشكلة نواجهها.
الاختيار أمامنا الآن، بين أن يتحوّل الأمر إلى بعض الحكايات المسلية فى برامج «التوك شو» ثم ينتهى الأمر بتجميد الأوضاع أو بتغيير الأشخاص من هذا الطرف أو ذاك.. أو أن نبدأ الطريق الصعب لإصلاح حقيقى وشامل فى الرياضة كما فى غيرها من المجالات الأساسية؟!
إصلاح شامل، أو صراع كباتن؟.. هذا هو السؤال.