أين الدليل على أن الشباب المصرى لم يشارك فى الاستفتاء ضمن جموع الواحد والعشرين مليونًا الذين ذهبوا إلى لجان التصويت؟
لا دليل على الإطلاق.
لا أحد ممن قرفونا ببغبغة مقيتة عن غياب الشباب قال لنا دليلًا واحدًا إحصائيًّا أو رقميًّا أو أى باذنجان آخر، غير ببغاوات يكررون هذا الكلام، ويحللون فى الظاهرة التى لم يقدموا لها أى دليل أصلًا، ويصلون إلى حقائق ومطالب بناء على تحليلهم الوهمى لظاهرة بلا أى دليل!
هل لديك نسبة مشاركة الشباب؟ والشباب.. هل يبدأ من سنّ ١٨ إلى سنّ الثلاثين أم الأربعين يا ترى؟ وهل هناك مقارنة بين نسبته فى الاستفتاء الأخير التى لا نعرفها ونسبة مشاركته التى لا نعرفها أيضًا فى الاستفتاء الإخوانى؟ هل تمت استطلاعات رأى للخارجين من لجان التصويت لمعرفة السن والفئة العمرية حتى نقول إن الشيخوخة أكلت مصر؟ هل يعرف هؤلاء الببغائيون أن فئة ما فوق الخمسين هى الأكثر تصويتًا فى أى انتخابات على ظهر الأرض؟ هل المفروض أن انحيازنا لمشاركة الشباب التى لا نعرف بالضبط حجمها ونسبتها، يجعلنا فى منتهى الوقاحة وقلة الأدب مع المصوتين الذين هم ليسوا شبابًا، بحيث نتحول إلى ما يشبه أطفالًا وصبية فى شارع، نرمى العجائز بالطوب ونجرى؟!
ثم.. هل يملك واحد فقط دليلًا يعارض آخر، يقول إن نسبة الشباب فى الاستفتاء (دون أى دليل أيضًا) كانت عالية جدًّا وغير مسبوقة؟
ما هذا الهراء الذى يكرره الجميع فى هوس جماعى؟
ياه! كم هو سهلٌ أن تكون ببغاء فى عالم السياسة والإعلام فى مصر.
تمامًا مثل هؤلاء الذين يتحدثون عن نسبة المشاركة باعتبارها لم تتجاوز نسبة مشاركة الاستفتاء الإخوانى، وبالمناسبة، هى نسبة ليست كبيرة فعلًا، وإن كنا نشير إلى أن إدارة الحكم الانتقالى لم تلوِّث يدها بتزوير النتائج بالنفخ فيها، كما جرى فى زمن محمد مرسى، زمن التزوير الفجّ المسجَّل صوتًا وصورة بالصناديق المفتوحة والمحمولة على الأكتاف واللعب فى التصويت الصعيدى بالطائفية، وكذلك التصويت الجماعى مع غياب الإشراف القضائى الحقيقى مع إجراء التصويت على مرحلتين، حيث لزوم اللعب والتلاعب، ومع ذلك فلنعترف بهذا الاستفتاء الإخوانى وأرقامه. ولكن تعالَ هنا...
لقد شارك فى انتخابات الرئاسة بمرحلتها الثانية ستة وعشرون مليونًا، هبطوا فى استفتاء الإخوان إلى سبعة عشر مليونًا، ثم عادوا فى الاستفتاء الأخير إلى واحد وعشرين مليونًا.
لا تقارنه إذن بإقبال الاستفتاء الإخوانى، فهو أعلى قطعًا، بل بالانتخابات الرئاسية، حيث قمة السخونة وذروة المشاركة فتجد الفارق بينهما طبيعيًّا جدًّا للفروق التقليدية بين الاستفتاءات والانتخابات، من حيث الإقبال والسخونة والمنافسة.
ثم إن الموافقين على دستور الإخوان كانوا عشرة ملايين مواطن، صاروا الضِّعف تمامًا فى هذا الاستفتاء الأخير، فما الذى يريده العُمْىُ كى يرَوا؟!
يبقى أن الدستور الذى صار دستور مصر بقرار الشعب ليس أعظم الدساتير ولا أكثرها روعة، لكنه أعظم من دستور عصابة أخرجته لشعب لفَظَها وطردها من الحكم، هى وأذنابها وأذيالها، ثم هو دستورنا بتوافق وموافقة وبنسبة إقبال ليست عظيمة، لكن بنسبة موافقة مُفحِمة وجامِعة.
الديمقراطية ليست صناديق فقط، هذه حقيقة مؤكدة، بل إنها مناخ حرية واحترام للآراء والمواقف المخالفة والمغايرة، ولكن الديمقراطية أيضًا ليست سماحًا للإرهاب بأن يتحول إلى وجهة نظر، ولا للحرية بأن تتحول إلى فوضى وتخريب وقتل ومولوتوف.
نعم، الدستور لا يكفى وحده لإقامة مجتمع عدل ومساواة وكرامة، بل لا بد من مجتمع يحترم نصوصه ويطبِّقها على الجميع، سواء الملايين الذين وافقوا عليه أو الثلاثمئة ألف الذين يعارضونه.