لو أنك راجعت أغلب أغانينا التى تضع اللون عنوانًا لها، ستجد أننا دائمًا ما نغنّى ونتغزّل فى جمال الأسمر.. مثلًا عبد الحليم حافظ عندما ردّد قصيدة «سمراء يا حلم الطفولة»، ثم «أسمر يا اسمرانى مين أسّاك علىّ» التى غنّتها أيضًا فايزة أحمد.. وقالت نجاة «سمارة سمارة»، بينما شهرزاد اعترفت قائلة فى «عسل وسكر وانت حبيبى يا حلو يا أسمر»، ومحمد قنديل تغزّل فى «أبو سمرة السكرة أبو ضحكة منورة»، ولم يكتفِ بهذا القدر بل وجّه أيضًا هذا النداء «جميل واسمر بيتمخطر»، وشادية «آه يا أسمرانى اللون»، وقال مؤلف الأغنية عبد الرحمن الأبنودى، إنه كان يقصد جمال عبد الناصر، بينما شريفة ذكرت أنها داعبت السادات عندما قالت «أسمر يا سمارة يا أبو دم خفيف حبيتك يا سمارة وأنا قلبى ضعيف»، بينما قالتها فايدة كامل صريحة «يا واد يا سمارة»، هذه الأغنيات وغيرها تحمل فى عمقها اعتذارًا لأصحاب البشرة السمراء، لأنها تعبّر عن إحساس كامن بالذنب تجاه السمر. دائمًا الجمال فى بلادنا يعنى فى المفهوم الشعبى البياض، يبدو وكأننا نحب البيضاء ونهيم عشقًا بها ثم نغنّى للسمراء حتى لا تفضحنا، بل إننا أحيانًا نطلق على مَن يميلون إلى اللون القمحى لقب أسمر.. هكذا قالوا عن مديحة يسرى فى الأربعينيات «النجمة السمراء»، وهو أيضًا لقب صاحب فترة لبنى عبد العزيز، وعدد من الأغانى التى تتغزّل فى السمار كتبت من أجل مديحة يسرى، مثل «جميل وأسمر» التى كتبها الشاعر عبد المنعم السباعى، لملهمته مديحة يسرى.
كان لقب الأسمر محببًا للفنانين، وأطلقوه أيضًا على عبد الحليم حافظ فى الستينيات، «العندليب الأسمر»، لكن لا مديحة ولا عبد الحليم ولا لبنى لهم علاقة قربى أو نسب باللون الأسمر!!
نتذكر مثلًا كيف أن أحمد زكى، أول نجم أسمر حقيقى فى السينما، لاقى صعوبات فى أن يجد لنفسه مساحة على الخريطة السينمائية، حيث تم استبدال نور الشريف فى اللحظات الأخيرة به فى فيلم «الكرنك» بسبب لون بشرته، لأن أحد كبار المنتجين قال كيف يحب هذا الأسمر سعاد حسنى وتبادله الحب؟ إنه لا يصلح إلا لأداء دور الجرسون!! وحكى لى المخرج الراحل عاطف سالم، كيف أنه فرض اسم أحمد زكى على الموزعين فى فيلمه «النمر الأسود»، لأنه كان من المستحيل أن يسند البطولة إلى نجم أبيض، وعنوان الفيلم هو «النمر الأسود»!! ومن المؤكد لولا أن ولادة أحمد زكى الفنية تعانقت مع جيل من المخرجين، أمثال عاطف الطيب ومحمد خان وخيرى بشارة وداوود عبد السيد، هؤلاء أرادوا أن يتمرّدوا على الملامح التقليدية للنجم، فكان رهانهم على أحمد زكى.
أما على الشاشة الصغيرة، خصوصًا الرسمية، فإن الأمر يبدو أشد ضراوة، حيث لا توجد على شاشة التليفزيون مذيعة سمراء، ولا أتصور أنه طوال تاريخ التليفزيون لم تحاول أى سمراء أن تقتحم عرين الشاشة الصغيرة ولا أتصور أيضًا أنه لم يحاول أى شاب أسمر أن يتقدّم للامتحانات حتى لو قالوا إن الواسطة هى التى تتحكم فى الاختيار، وأنه لا مجال للكفاءة، فلا أحد يسأل: لماذا لم تنجح أى واسطة سمراء فى فرض أى مذيع أسمر على شاشة التليفزيون البيضاء!! حتى فى الواسطة هناك نوعان، واسطة بيضاء إشارتها خضراء، والثانية سوداء إشارتها دائمًا حمراء!!
المذيعة أوبرا وينفرى السوداء الأمريكية، لو أنها وجدت فى عالمنا العربى ما حققت أى قدر من النجاح الذى أحالها فى العالم كله بما فيه الدول العربية إلى أحد أساطير الشاشة الصغيرة.. ولكن لا شك أن هناك استثناءات، مثلًا المطربة شيرين نجحت جماهيريًّا وبشرتها السوداء لم تقف عائقًا أمام أن تصبح هى أكثر المطربات المصريات نجاحًا وتجاوزت بكثير ما حققته كل المطربات ناصعات البياض!! محمد منير على مدى اقترب من أربعة عقود من الزمان يواصل نجاحه فى عالم الأغنية ولا أحد يستطيع أن يلاحقه من جيله ولا من الأجيال التالية.
ورغم ذلك فإن علينا أن ندرك أن هناك مَن ينحاز إلى اللون الأبيض فى العالم كله، ونجمات هوليوود أمثال السمراء هال بيرى -الحاصلة على الأوسكار- صرّحت بتلك العنصرية، ولو قارنت مساحة وجودها بما حقّقته مثلًا الشقراء نيكول كيدمان لاكتشفت الفارق الشاسع بينهما، وهو بالمناسبة لا يعبر عن فارق فى الموهبة، ولهذا نقول مع صباح «أسمر أسمر طيب ماله، والله سماره سر جماله»!!