حاولت أطراف عديدة خلق تناقضات بين ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، بهدف الفصل بينهما، وهناك من ذهب إلى القول بأن ٢٥ يناير كانت مؤامرة، وهناك من رد بأن ٣٠ يونيو كانت انقلابا على الثورة. والحقيقة أن السجال بين ٢٥ يناير و٣٠ يونيو هو سجال مصطنع، وبين أطراف ترغب فى الانتقام من بعضها، ولا تضع للوطن مكانا فى هذا السجال. فالحديث عن هذا يدور بين فريقين خرجا من الساحة بثورة شعبية. الفريق الأول يتمثل فى رجال الحزب الوطنى، الذين ثار الشعب ضدهم فى الخامس والعشرين من يناير، ثورة شعبية حقيقية أطاحت بنظام مستبد أذل مصر والمصريين، ثورة أدت إلى حل الحزب الوطنى وحظر نشاطه، ثورة رفعت شعارات العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفجرت لدى المصريين آمالا عريضة فى حياة كريمة ونظام ديمقراطى. ما حدث لاحقا هو أنه تم السطو على ثورة الشعب وسرقتها بتواطؤ رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق ونائبه، وبين جماعة الإخوان، على النحو الذى أوصل مندوبا من الجماعة إلى قصر الرئاسة، وبدأ فى مخطط هدم الدولة المصرية لحساب التنظيم الدولى للجماعة. ثار الشعب المصرى مجددا ضد حكم المرشد والجماعة، خرجوا فى الثلاثين من يونيو بالملايين يطالبون بسقوط حكم المرشد والجماعة، نادوا على جيش بلادهم كى يوفر لهم الأمن ويبدأ مرحلة انتقالية جديدة، لا صفقات فيها ولا مؤامرات، خرج قرابة الثلاثين مليون مواطن ومواطنة يطالبون بسقوط حكم المرشد، باسترداد مصر من حالة الاختطاف. انحاز الجيش للشعب، وكانت ثورة شعبية مبهرة أذهلت العالم من جديد، فالشعب المصرى قدم نموذجا غير مسبوق، إذ قام بثورتين فى نحو ثلاثين شهرا، ووضع رئيسين فى السجن: رئيسا مستبدا فاسدا قضى فى السلطة ثلاثة عقود كاملة، أفقر خلالها مصر والمصريين وقاوم بدء عملية تطور ديمقراطى حقيقى، ورئيسا آخر عمل مندوبا للتنظيم الدولى للجماعة، فى قصر الرئاسة، قضى عاما واحدا فقط فى السلطة، وكانت السنة كافية لإشعال ثورة جديدة ضده أطاحت به وبجماعته ومرشده ووضعتهم فى السجون.
المؤكد أن ٢٥ يناير هى ثورة شعبية حقيقية، هى ثورة شعب كسر حاجز الخوف، وخرج ضد نظام توحش فى مواجهة المصريين وكان يعتمد على «عصا الأمن» بأكثر من اعتماده على السياسة فى تعامله مع المصريين، احتقر المصريين وأفقرهم، فخرجوا يهتفون بسقوطه ورحيله وتحقق لهم ما أرادوا. نجحت ٢٥ يناير فى كسر حاجز الخوف، وزرع الأمل فى نفوس المصريين، أعادت السياسة إلى الشارع المصرى وإلى كل بيت، بعد عقود من العقم والجمود، عاد شباب وأطفال مصر للحديث عن السياسة قبل رجالها، دمجت المرأة المصرية نفسها فى الحياة السياسية، وباتت رقما صعبا فى المعادلة. والمؤكد كذلك أن ٣٠ يونيو هى ثورة شعبية حقيقية استرد عبرها الشعب المصرى بلده من حالة الاختطاف التى قام بها التنظيم الدولى للجماعة. وفى تقديرى أنه لولا ٢٥ يناير ما كانت ٣٠ يونيو، وإذا نظرنا إلى ما جرى فى مصر من تحولات على مدار السنوات الثلاث الماضية بعقلية المهندس الإنشائى، يمكننا القول إن ٢٥ يناير هى الأساس وأعمدة البنيان والدور الأول فى المبنى، أما ٣٠ يونيو فهى الدور الثانى، فهل يتصور أحد وجود مبنى دون أساس أو أعمدة؟ الإجابة بالقطع.. لا، ومن هنا لا بد ونحن على أعتاب الذكرى الثالثة للخامس والعشرين من يناير أن نحتفى بها، ونعتبرها طلقة البداية لثورة الشعب، من أجل العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. صحيح أن ثورة يناير سرقت وبدأت مرحلة معاناة قاسية تحت حكم المرشد والجماعة، لكن الصحيح أيضا أن المسؤول عن سرقة ثورة هو الشباب والقوى السياسية المدنية، حيث انشغلوا جميعا فى معارك سياسية دوافعها الجوهرية شخصية، وتركوا الجماعة تنسق مع قيادة المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة وتنفرد بفقراء الريف المصرى، ومن ثمّ تحصد الأصوات فى الصناديق فتمكنت من مصر وشعبها، باختصار لا تحملوا ٢٥ يناير مسؤولية فشلكم فى التعامل مع الاستحقاقات الانتخابية وعدم القدرة على قراءة المشهد بدقة. وفى النهاية لا بد من استيعاب الدرس ووقف السجال، ولا مجال لإعادة العجلة للدوران إلى الخلف، لا مجال لعودة رجال مبارك ولا دراويش المرشد، فقد ثار الشعب على الفريق الأول فى ٢٥ يناير، وثار على الفريق الثانى فى ٣٠ يونيو، ولا مجال لزرع تناقض مصطنع بين الثورتين التاريخيتين ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.